يتخوّف نشطاء حقوقيون من تنفيذ حكم الإعدام بعبدالله الدرازي الذي تتهمه السلطات السعودية ب”الإرهاب”، بينما تقول عائلته إنه شاب اجتماعي مرح يهوى تربية عصافير الكناري. والدرازي (28 عاما) واحد من تسعة سعوديين على الأقل مدانين بالإعدام بتهم بأفعال ارتكبوها عندما كانوا قُصّر، حسب النشطاء الحقوقيين الذين يدينون استخدام المملكة المكثّف لعقوبة الإعدام.
وتستقطب قضية الدرازي وشاب آخر يدعى جلال لباد المنتميين الى الطائفة الشيعية، اهتمام الحقوقيين بعدما ذكرت منظمة العفو الدوليةالشهر الماضي أنّ المحكمة العليا السعوديّة “أيدت سرًا” حكمي إعدامهما، ما يعني إمكانية تنفيذهما في أي وقت. ففي منزل الدرازي في مدينة القطيف (شرق) الذي هجرته طيور الكناري وببغاء الحب (فيشر) التي كان الدرازي يطعمها يوميا، تعيش أسرته في خوف مستمر من تلقّي خبر إعدامه الذي ينهي أحلامهم برؤيته مجددا يوما ما.
وبما أن السلطات السعوديةلا تبلّغ عادة المحامين وذوي المتهمين قبل تنفيذ عملية الإعدام، أعرب قريب له تحدّث بشرط عدم كشف اسمه لوكالة فرانس برس عن خشيته من أن “نتلقّى خبر إعدامه في أي لحظة”. ولم تردّ السلطات السعودية على طلب فرانس برس التعليق على القضية. وكانت السعودية العام الماضي واحدة من أكثر ثلاث دول تنفيذا لعقوبة الإعدام في العالم. إذ أعدمت 147 شخصا، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا إلى مصادر رسمية، من بينهم 81 شخصا في يوم واحد في آذار/ مارس، جميعهم دينوا بجرائم مرتبطة بـ”الإرهاب”. وخلال العام 2023، أُعدم 123 شخصا، من بينهم 33 شخصا دينوا باتهامات “مرتبطة بالإرهاب”.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
إلغاء عقوبة الإعدام بحق القاصرين
بعد عدة ساعات على قرار إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير، أعلنت السعودية أيضاً إلغاء حكم الإعدام بحكم المدانين القصّر واستبداله بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات في منشأة احتجاز للأحداث. وجاءت هذه القرارات لتساعد “على صياغة قانون للعقوبات أكثر عصرية” بحسب ما تناقلته وسائل إعلامية.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
محاولة للتجميل بعد مقتل خاشقجي؟
جاء ترحيب الحقوقيون ومنظمات حقوق الإنسان بهذه القرارات بشكل حذر، حيث اعتبر غيدو شتاينبيرغ من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) ببرلين أن هذه القرارات صحيحة، ولكنها لا تعبر بالضرورة عن إتجاه إصلاحي في السعودية وقال: “إنها محاولة لتلميع صورة الدولة”. وكانت سمعة المملكة على الساحة الدولية تراجعت بشدة بعد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
محاولة لكسب الغرب
ويرى غيدو شتاينبيرغ أن السعودية تهتم بشكل خاص بسمعتها في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، إلا أن ولي العهد محمد بن سلمان مازال يحكم بقبضة من حديد. فالإصلاحات التي قام بها صاحبتها إجراءات قمعية لكل معارضة داخلية. ولم تسلم العائلة المالكة نفسها من هذه الإجراءات.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
شخصيات بارزة رهن الإعتقال
وطالت الإجراءات القمعية في السعودية أيضاً أفراد بارزين من العائلة المالكة، حيث شهدت أواخر شهر مارس/آذار حملة جديدة من الإعتقالات شملت إبن عم محمد بن سلمان وولي العهد السابق محمد بن نايف (يسار الصورة) بتهمة “الخيانة وتدبير انقلاب”. وبحسب شتاينبرغ فإن هذه رسالة للجميع بأن أي معارضة سياسية لن يتم التسامح معها.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
رسالة للعائلة المالكة
كما قام ولي العهد السعودي بإبعاد أي منافس محتمل له من العائلة المالكة عن طريق حملات توقيف بحق أفراد من العائلة ومنهم متعب بن عبد الله، وهو رئيس الحرس الوطني السعودي السابق. ويقول شتاينبيرغ: “يريد محمد بن سلمان إرسال إشارة للعائلة أن المملكة لديها حاكم جديد، وانهم يستطيعون الحفاظ على إمتيازاتهم بشرط عدم إظهار أي معارضة”.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
الأميرة السجينة بسمة بن سعود
يعرف عن الأميرة بسمة بنت سعود أنها ناشطة في مجال حقوق الإنسان ومعارضة للممارسات القمعية ضد المرأة في السعودية. في عام 2019 إختفت الأميرة دون أثر، لتظهر منذ فترة قصيرة بنداء استغاثة اطلقته عن طريق خطاب طالبت فيه بإطلاق صراحها. وكتبت الأميرة البالغة من العمر 56 عاماً أنه يتم احتجازها دون موافقتها وبدون سند قانوني في سجن الحاير السعودي.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
الناشطة لجين الهذلول
قبل إطلاق سراحها في شباط/ فبراير 2021 تعرضت الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة للسجن ثلاث سنوات بتهم من أبرزها “التآمر” مع جهات أجنبية. وبحسب تصريحات أختها لينا، فقد تعرضت لجين للتعذيب والتحرش الجنسي خلال الحبس. وقالت عائلة لجين أنها تلقت خلال السجن عرضاً بإطلاق سراحها بشرط قيامها بنفي التعرض للتعذيب.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
محاولة للإلهاء
يرى مراقبون أن قرارات إلغاء عقوبتي الجلد والإعدام جاءت كمحاولة لإلهاء الناس عن خبر وفاة الناشط الحقوقي عبد الله الحامد (يسار الصورة) في السجن. وكان الحامد توفي منذ أيام قليلة بسبب جلطة دماغية لم يتلق بعدها العناية الطبية الكافية بحسب ما تناقلته التقارير الإعلامية. ومازال الناشطان الحقوقيان وليد أبو الخير ومحمد فهد القحطاني (يمين الصورة) في السجن بسبب نشاطهما السياسي.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
رائف بدوي
يُعد رائف بدوي أحد أكثر معتقلي الرأي شهرة في السعودية. وكان المدون والناشط الحقوقي أُعتقل في عام 2013 بتهمة “إهانة الإسلام” وحُكم عليه بألف جلدة وبالسجن عشر سنوات. وتسبب تنفيذ حكم الجلد عليه علناً في إثارة انتقادات دولية واسعة للسعودية. يقول شتاينبرغ أن رد الفعل هذا قد يكون سبباً في إلغاء عقوبة الجلد، ولكنه ينبه:” ليس معنى ذلك أنه سيتم إطلاق سراحه الآن”.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
سمر بدوي
تقبع سمر بدوي، أخت رائف بدوي، ايضاً في السجن منذ 2018، ومعها نسيمة السادة، وهما من الناشطات في مجال حقوق الإنسان في المملكة. وكانت السلطات شنت في 2018 حملة إعتقالات على مجموعة من الناشطات، تم بعدها الإفراج عن بعضهن مثل أمل الحربي وميساء الماعن، بينما تنتظر الأخريات، مثل سمر ونسيمة، البت في قضيتهن.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
سلمان العودة
يعد الداعية سلمان العودة أحد الدعاة الدينيين السلفيين المعتدلين والمعروفين على الساحة، وهو قريب من جماعة الإخوان المسلمين التي تحظرها السلطات السعودية. يعرف عن العودة انتقاده للسياسات الداخلية والخارجية للمملكة، وفي 2017 حُكم عليه بعقوبة الإعدام، إلا أن الحكم لم ينفذ حتى اليوم.
-
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
علي محمد النمر
بعد إلغاء عقوبة الإعدام بحق القُصر تتجه الأنظار لعلي محمد النمر الذي أعتقل وهو في السابعة عشرة من عمره بسبب مشاركته في مظاهرات تطالب بالإصلاح وإطلاق صراح سجناء الرأي في 2012. وكان عمه نمر النمر أحد الدعاة الشيعة البارزين في السعودية. ويتوقع خبير شئون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ أن حكم الإعدام لن ينفذ بحق علي محمد النمر، لكنه سيبقى في السجن.
وتندّد المنظمات الحقوقية بقانون الإرهاب الذي أقرته السعودية نهاية 2017 وتقول إنّه يشمل “تعريفا مبهما للإرهاب” وقد يسمح “للسلطات بمواصلة استهداف الانتقادات السلمية”. بالنسبة للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومقرها برلين، هناك ستة من تسعة أشخاص متهمين بارتكاب جرائم حين كانوا قُصّر، دينوا بسبب مشاركتهم في تظاهرات.
واعتقل الدرازي ولباد لمشاركتهما في احتجاجات مناهضة للحكومة خلال فترة الاحتجاجات النادرة التي شهدها شرق المملكة حيث تتركز الأقلية الشيعية، إبان فترة الربيع العربي في 2011، على ما أفادت منظمة العفو الدولية. ولا يواجه الدرازي الموقوف منذ آب / أغسطس 2014 فحسب اتهامات بـالمشاركة في التظاهرات، لكنّ أيضا “الاشتراك في تكوين خلية إرهابية واستهداف رجال الأمن”، حسب عريضة الاتهامات الرسمية التي اطلعت عليها فرانس برس. وهي اتهامات تنفيها أسرته تماما.
وقال قريب الدرازي “عبد الله ليست له أي علاقة بهذه الاتهامات. إنها اتهامات أكبر من تفكيره واهتماماته”. وأشار قريب للباد اشترط عدم ذكر اسمه لحساسية الأمر، الى أن السلطات تتهمه بـ”مساعدة” مطلوبين، لكنّه أشار إلى أنّ الأمر مرتبط بتوفيره ضمادات ومواد تعقيم لشخص جريح مطلوب أمنيا في بلدته العوامية ذات الغالبية الشيعية. وقال “الحكم جدا ظالم ومبالغ فيه”. وتساءل “هل توفير إسعافات أولية يستحق حكما بالإعدام؟”.
وقال أقارب المتهمين إنّ اعترافاتهما انتزعت منهما تحت التعذيب، فيما ندّدت العفو الدولية بـ”محاكمات فادحة الجور اعتمدت في المقام الأول على اعترافات مشوبة بالتعذيب”. وتنفي السلطات السعودية قيامها بتعذيب السجناء والمتهمين.
ويسعى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، لتحويل أكبر مصّدر للنفط في العالم، الى مركز تجاري وسياحي عالمي. لكنّ نشطاء يقولون إنّ مواصلة استخدام عقوبة الإعدام يلطّخ صورة المملكة كبلد أكثر تسامحا وانفتاحا بحسب رؤية 2030 الإصلاحية التي يعمل بن سلمان على تنفيذها.
ومطلع العام الجاري، قالت منظمة “ريبريف” المناهضة لأحكام الإعدام ومقرها لندن، إنّ الإعدامات “زادت بشكل حاد” منذ وصول الملك سلمان للحكم في 2015. وبين الذين نفذت بهم أحكام إعدام، 11 شخصا دينوا باتهامات ارتكبوها وهم قُصّر.
وقرّرت السعودية في 2020 إلغاء أحكام الإعدام الصادرة في حق مدانين بجرائم ارتكبوها وهم قصّر، لكنّ نص المرسوم الملكي لم يُنشر قط ومن غير الواضح مدى تطبيقه. وتقول الباحثة في المنظمة الأوروبية السعوديةدعاء دهيني لفرانس برس “عدد القاصرين المدانين بالإعدام في السعودية قد يكون أعلى بكثير لأنّ الأسر تخشى التواصل والتعبير عن مخاوفها”.
ودعا المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج القضاء موريس تيدبال-بينز السلطات السعودية للكشف عن تفاصيل المرسوم و”تطبيقه على جميع المتهمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، بغض النظر عن جريمتهم”. ويرى المدير القانوني في المنظمة الأوروبية السعودية طه الحاجي أن استهداف القُصّر يهدف الى القضاء على أي احتجاج في المملكة الخليجية.
ويضيف أن هذا الأمر “يوجّه رسالة واضحة للجميع بأنه لا يوجد تسامح ولا توجد أي خطوط حمراء”. ويخلص “الكلّ بدون استثناء يعاقب لو كان طفلا أو شيخا أو امرأة”.
ح.ز/ و.ب (أ.ف.ب)