غاز المتوسط.. ثروة مدفونة تحت رماد نار الخلافات السياسية | سياسة


 تعد جزيرة قبرص في شرق البحر المتوسط على مقربة من إسرائيل وسوريا وتركيا ولبنان ومصر فيما كانت – ومازالت – وجهة سياحية شهيرة في منطقة الشرق الأوسط، وباتت مؤخرا مقصدا للسياح القادمين من روسيا.

ولا تتوقف أهمية الجزيرة على القطاع السياحي لكنها ذات أهمية من الناحية الجيوسياسية نظرا لموقعها بين أوروبا والشرق الأوسط، فيما يتمحور جزء كبير من نشاط الجزيرة في الوقت الراهن حول طرق استغلال  حقول الغاز البحرية العديدة  التي تم اكتشافها خلال الخمسة عشر عاما الماضية فيما كان آخرها في عام 2022.

ويأمل ساسة البلاد من أن تتمكن قبرص من لعب دور أكبر في الشرق الأوسط بفضل ما تذخر به سواحلها من غاز.

وفي ذلك، يعتقد كوزمي أوخيدا، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة سان بابلو الإسبانية، أن رواسب الغاز يمكن أن تشكل فرصة لإحلال السلام في المنطقة بما في ذلك وضع نهاية للنزاع الممتد منذ عقود بين تركيا واليونان بشأن قبرص.

وأضاف “تمتلك حقول الغاز قدرة على زيادة رخاء جميع الأطراف المعنية بشكل كبير فيما لا يمكن تحقيق النجاح في مشاريع خطوط الأنابيب بشكل منفرد ما يعني ضرورة انخراط كافة الأطراف المتنازعة“.

وتقف تركيا وقبرص على طرفي النقيض فيما يتعلق بالصراع بين إسرائيل وحماس إذ تتخذ أنقرة موقفا ضد إسرائيل فيما تقف نيقوسيا بشكل قاطع إلى جانب تل أبيب.

وفي تعليقه، قال أوخيدا إن هذا التباين بين موقفي تركيا وقبرص  يظهر مدى الاختلاف بين البلدين.

 ذعر المستثمرين

وقال إيلاي ريتيغ، رئيس قسم الطاقة في مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجية الإسرائيلي، إن قرار ألمانيا تعليق مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2  على وقع الحرب الروسية في أوكرانيا تسبب في حالة ذعر بين المستثمرين، لكنه قال إن “احتياطيات الغاز البحرية في الشرق الأوسط يمكن أن تقلل بشكل كبير من أهمية موردي الغاز الآخرين (وتقليل) الاعتماد على دول مثل قطر“.

وأضاف أن الحرب بين إسرائيل وحماس اندلعت فيما كان الشرق الأوسط يتأهب لحدث تاريخي، قائلا: “كان هناك اتفاق مبدئي بين إسرائيل وحكومة غزة لتطوير وتمويل وحفر حقل الغاز البحري في غزة بشكل مشترك.”

وأشار إلى أنه “كان من الممكن أن يغير هذا الاتفاق العلاقات بين  إسرائيل والفلسطينيين  بطرق إيجابية عديدة مما كان سيخلق تأثيرا إيجابيا على المنطقة”.

وفي هذا السياق، يقول خبراء إن مثل هذه الخطط باتت حاليا في حكم المجمدة.

أبدى المستشار الألماني اهتماما بشراء أوروبا الغاز القبرصي 

إمكانيات هائلة؟

الجدير بالذكر أنه قبرص مقسمة منذ عام 1974 بين جمهورية قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي والمعترف بها دوليا و”جمهوريّة شمال قبرص التركية” وهي كيان انفصالي لا تعترف به سوى أنقرة.

وشهدت العلاقات توترا إقليميا بالحدود البحرية، لكن خلال السنوات العشر الماضية، جرى التوصل إلى اتفاقيات بين  إسرائيل ولبنان ، وإسرائيل وتركيا وبين قبرص واليونان حول التنقيب عن غاز قبالة جزيرة قبرص ومن ثم تمهيد الطريق أمام استغلاله تجاريا.

لكن الخبير في شؤون الطاقة ريتيغ قال إن هذه الاتفاقيات ليست “ملزمة”.

وفي هذا السياق، أبدى المستشار الألماني أولاف شولتس خلال اجتماعه مع الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس في مايو / أيار الماضي، اهتماما بشراء أوروبا  للغاز القبرصي.

 

ونال احتياطات الغاز في شرق المتوسط على اهتمام كبرى شركات النفط العالمية مثل شيفرون وتوتال إنيرجي وإيني، لكن حكومة قبرص تضع نصب أعينها تصدير الغاز الطبيعي المسال على المدى القصير نظرا لسهولة تصديره مقارنة ببناء خط أنابيب جديد وما دفع نيقوسيا إلى التخطيط لبناء محطة للغاز الطبيعي المسال في أسرع وقت ممكن.

لكن الأمر يتطلب انخراط تركيا في كافة المفاوضات حيث تطالب أنقرة بضرورة الاستفادة من الموارد الطبيعية لجزيرة قبرص.

وعلى مستوى البلاد، فإن احتياطيات الغاز سوف تسهم في تقليل اعتمادية حكومة قبرص اقتصاديا على روسيا التي عرضت دعم قبرص في شكل قروض واستثمارات بعد الأزمة المالية في عام 2013 خاصة في ظل اهتمام روسيا السابق بالغاز القبرصي.

تقليص النفوذ الروسي والقطري

بدوره، قال المسؤول القبرصي السابق كيرياكوس كوكينوس إنه كان يأمل في أن يساعد  زخم العلاقات الاقتصادية  مع إسرائيل في تقليل اعتماد قبرص على روسيا.

وأضاف كوكينوس الذي شغل في السابق منصب نائب وزير البحث والابتكار والسياسة الرقمية في قبرص، “نرغب في أن نصبح مركزا دوليا للتكنولوجيا والعلوم مثل إسرائيل”، مشيرا إلى أن احتياطيات الغاز قبالة جزيرة قبرص يمكن أن يكون جسرا لمزيد من التعاون الاقتصادي.

وكان من المخطط أن يبدأ الحفر في 2018 بحثا عن النفط والغاز قبالة قبرص وفقا للخطط الأولية لشركة شركة “نوبل إنرجي” التي استحوذت عليها شركة شيفرون الأمريكية عام 2020.

كذلك، شهد العام المنصرم توصل لبنان وإسرائيل إلى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية بعد وساطة أمريكية دامت عامين، لكن يرى مراقبون صعوبة المضي قدما في الأمر في ضوء الصراع في الشرق الأوسط.

وفي تعليقه، قال أوخيدا إن هناك “قوى مختلفة تقوم بالمساومة والمناورة، لذا فإن هذا يفرض الحاجة إلى الكثير من الصبر.”

قلق تركي؟

الجدير بالذكر أن شركة كوانتوم إنرجي ومقرها قبرص تعمل في الوقت الراهن على إنشاء كابل طاقة بحري لربط شبكات الطاقة في اليونان  وقبرص  وإسرائيل فيما يرى فرص تنفيذ المشروع أكبر مقارنة بإنشاء خط أنابيب غاز في ضوء الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس.

وسوف يكون المشروع أطول كابل طاقة بحري في العالم بقدرة 2000 ميجاوات.

وفي ذلك، قال ريتيغ إن تركيا  ليست منخرطة في المشروع، لكنه أشار إلى أن أنقرة من المحتمل أن “يساورها قلق أقل مقارنة بقلها إزاء إنشاء خط أنابيب الغاز من قبرص إلى اليونان”.

ستيفاني مولر / م. ع



(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
Comments (0)
Add Comment