ما تأثير حرب إسرائيل وحماس على الأردن؟ | سياسة واقتصاد | تحليلات معمقة


باتت الحرب بين إسرائيل وحماس تلقي بظلالها بشكل متزايد على الأردن الذي كان ثاني دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل بعد مصر. بدورها، قالت كيلي بيتيلو، منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لـ المانيا اليوم إن الأردن “منخرط بشكل كبير في الحرب الحالية لعدة أسباب أبرزها أن أكثر من نصف سكان الأردن من أصول فلسطينية إذ أن الملكة رانيا تنحدر من أصول فلسطينية. كذلك تحظى مسألة الدولة الفلسطينية بدعم كبير بين الشعب والحكومة في الأردن”.

ومنذ بدء الحرب، انتقدت الحكومة الأردنية القصف الإسرائيلي لغزة عقب هجوم حماس الإرهابي في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي.

ففي كلمته أمام “قمة القاهرة للسلام” أواخر الشهرالماضي، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن “حملة القصف الشرسة على غزة مرفوضة وتعد جريمة حرب…ما يحدث في غزة من استهداف للمدنيين وحرمانهم من الاحتياجات الأساسية جريمة حرب”. وعلى وقع ذلك، وصلت العلاقات الثنائية بين الأردن وإسرائيل إلى مستوى متدن غير مسبوق.

الجديد بالذكر أن إسرائيل والأردن وقعتا معاهدة سلام في عام 1994 فيما تزايد التعاون بينهما بشكل وثيق في مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن.

الملكة رانيا تعد من أكثر الداعمين لحل الدولتين

استدعاء السفير 

وفي مقال رأي نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، كتب العاهل الأردني قائلا: “لا نصر في المذبحة التي تتكشف ولا نصر لأحد إلا إذا حصل الفلسطينيون على حقوقهم ودولتهم. وهذا وحده سيكون نصرًا حقيقيًا للسلام، للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. وسيكون، أكثر من أي شيء آخر، انتصارًا للإنسانية جمعاء.”

وفي أواخر الشهر الماضي، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة مشروع قرار قدمه الأردن يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية”.

وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد قرر مطلع الشهر الجاري استدعاء السفير الأردني في إسرائيل إلى الأردن، مؤكدا أن عودة السفراء “سترتبط بوقف إسرائيل حربها على غزة”. وفي ردها، قالت الخارجية الإسرائيلية إنها “تأسف لقرار الحكومة الأردنية استدعاء سفيرها للتشاور”.

تضامن لكن دون استقبال اللاجئين

لكن عندما يتعلق الأمر باستقبال لاجئين سواء من الضفة الغربية المحتلة أو من قطاع غزة، فإن الموقف الأردني يتماشى مع نظيره المصري حيث ترفض عمان والقاهرة استقبال لاجئين فلسطينيين إذ أكد الملك عبد الله الثاني مرارا وتكرارا “أنه لن يكون هناك لاجئون في الأردن أو مصر”. واعتبر أن الأمر يمثل “خطا أحمرا”، وفقا لبيان نشره الديوان الملكي الهاشمي.

وفي تعليقها، قالت كيلي بيتيلو إنه على “المستوى الأردني المحلي، فإن الموارد تعاني إرهاقا فيما يعني قبول لاجئين فلسطينيين التواطؤ في قتل القضية الفلسطينية”.

توافق مصري أردني حول رفض تهجير الفلسطينيين من غزة

ويتفق في هذا الرأي إدموند راتكا، رئيس مكتب “مؤسسة كونراد أديناور” الألمانية في الأردن ( المؤسسة قريبة من الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض)، قائلا: “يمثل قبول موجة جديدة من ترحيل للفلسطينيين عبر نهر الأردن إلى الأردن، الكابوس الاستراتيجي للأردن على مدى عقود. فالجميع في الأردن يريد تجنب هذا السيناريو بأي ثمن”.

وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضاف “يشمل ذلك الأردنيين من أصل فلسطيني لأنهم يريدون أن يحصل الفلسطينيون على حق تقرير المصير في فلسطين، أي غرب نهر الأردن”.

وأشار إلى أن سكان الأردن في شرق البلاد “يشعرون بقلق متزايد منذ فترة طويلة إزاء احتمالية اختلال التوازن الديموغرافي بما يؤثر على توازن القوى السياسية في البلاد لتصبح قبائل شرق الأردن – على إثر ذلك – أقلية سكانية”.

وفقا لبيانات الأمم المتحدة، بلغ عدد سكان الأردن أكثر من 11 مليونا الشهر الماضي فيما تذهب تقديرات إلى أن حوالي نصف سكان الأردن ينحدرون من أصل فلسطيني إذ يعد الأردن البلد العربي الوحيد الذي منح الجنسية والمواطنة الكاملة للفلسطينيين الذين فروا إلى البلاد عقب النكبة وحرب عام 1967.

وتشير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) إلى أن أكثر من مليوني شخص مسجلين كلاجئين فلسطينيين في الأردن.

 

تزايد الغضب الشعبي

بالتزامن مع معارضة الأردن لاستقبال لاجئين فلسطينيين، بلغ التضامن الشعبي في البلاد مع غزة مستوى جديد مع اندلاع مظاهرات واسعة النطاق، وفقا لما ذهب إليه إدموند راتكا. وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضاف “هناك مظاهرات يومية وأيام حداد ووقفات احتجاجية في عمان لدرجة أن كافة المقاهي تقريبا قامت بتعليق ملصقات تضامنية مع فلسطين وأعلام فلسطينية وأوشحة فلسطينية”.

وقال إن “الأردنيين في حالة غضب من الوضع الحالي، لكنهم أيضا عاجزون بطريقة ما فيما تعد المقاطعة إحدى خياراتهم،” مضيفا أن فروع ستاربكس وماكدونالدز باتت بلا زبائن رغم أنها توظف عمال محليين. وفي ذلك، أوضح أن المقاطعة “قد لا تتسبب في تأثير اقتصادي كبير، لكنها تظهر مستوى كبير من الحشد داخل المجتمع”.

يشهد الأردن مظاهرات دعما لغزة منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي

بيد أن مراقبين يشيرون إلى أن الأمر الأكثر خطورة إزاء حالة التعاطف الشديد يتمثل في الدعم المتزايد لحركة حماس المدرجة على قائمة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وألمانيا والعديد من الدول الأخرى.

وفي سياق ذلك، قال راتكا “لم تحظ حماس بشكل تقليدي بدعم واسع النطاق في الأردن فيما ينطبق الأمر على المستوى الرسمي والحكومي، لكننا الآن نرى أن بعض الأصوات الإسلاموية المتشددة تكتسب زخما في الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي في الأردن”.

في المقابل، بدأت الحكومة الأردنية على مدى الأسبوعين الماضيين في اعتقال العشرات من المتظاهرين. وفي تعليقه على ذلك، قال راتكا “نشهد في الوقت الراهن تصعيدا معينا بالتوازي مع تصاعد الصراع وتفاقم معاناة المدنيين الفلسطينيين في غزة”.

وفي خضم المظاهرات، طالب بعض المحتجين بإنهاء معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل وهو الأمر الذي استبعدت كيلي بيتيلو، الخبيرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، حدوثه. وقالت “لا أعتقد أن اتفاق (السلام) سينهار بهذه السهولة خاصة في ضوء علاقة الأردن الوثيقة مع الولايات المتحدة”.

الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تعد أكبر جهة مانحة للمساعدات الثنائية إلى الأردن إذ قدمت أكثر من 1.65 مليار دولار (1.47 مليار يورو) عام 2021 بالإضافة إلى حوالي 1.7 مليار دولار (1.57 مليار يورو) من المساعدات الإنسانية لدعم اللاجئين السوريين. ويستضيف الأردن قرابة ثلاث آلاف جندي أمريكي.

عناصر من الجيش الأردني بصدد شحن طائرة عسكرية بمساعدات طبية لدعم مستشفيات غزة

غضب إزاء المشاريع الإسرائيلية-الأردنية

ورغم استبعاد تأثر اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل، إلا أن إدموند راتكا يعتقد أن مشاريع التعاون الأخرى مع إسرائيل سوف تتأثر سلبا في ضوء العلاقات المتوترة بين البلدين.

وقال إن “المثال الأوقع على ذلك يتمثل في اتفاق تبادل الطاقة مقابل المياه بين إسرائيل والأردن والإمارات الذي تُوصل إليه في نوفمبر / تشرين الثاني عام 2021” فيما عُرفت الصفقة باسم “الكهرباء مقابل الماء”.

ونص الاتفاق الثلاثي على تطوير محطات طاقة شمسية كهروضوئية في الأردن ليتم تصدير كامل إنتاجها من الطاقة النظيفة إلى إسرائيل التي في المقابل سوف تزويد الأردن بالمياه المحلاة.

وقبل أيام، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن بلاده “لن توقع اتفاق لتبادل الطاقة والمياه مع إسرائيل والذي كان من المقرر توقيعه الشهر الماضي”.

وقال راتكا “لم يعد من الممكن تسويق مثل هذا المشروع الذي لا يزال في مرحلة التخطيط، إلى الشعب الأردني في الوقت الراهن.”

جنيفر هولايس / م. ع

 



(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
Comments (0)
Add Comment