الهدنة بين إسرائيل وحماس.. أسرار نجاح الدبلوماسية القطرية | سياسة


 يرى مراقبون أنه يمكن اعتبار الإعلان عن “هدنة إنسانية” مدتها أربع أيام في قطاع غزة بمثابة انتصار دبلوماسي  لدولة قطر الصغيرة.

فقد أصدرت وزارة الخارجية القطرية الأربعاء (22 نوفمبر / تشرين الثاني) بيانا أعلنت فيه عن التوصل إلى “هدنة” لمدة أربعة أيام بموافقة كافة الأطراف. ومن شأن الاتفاق أن يسمح بتبادل 50 من الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة مقابل إطلاق سراح 150 من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.

وبموجب الاتفاق، سيتم السماح بدخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية  والمساعدات الإغاثية، بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية، إلى قطاع غزة. وكانت حماس – المدرجة على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى – قد شنت في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي هجوما على إسرائيل أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي وأجنبي واحتجاز نحو 240 رهينة في قطاع غزة.

وتلى ذلك، شن إسرائيل عمليات قصف على القطاع أسفرت عن مقتل 13 ألفا، وفقا لبيانات السلطات الصحية التابعة لحماس. وعلى مدار الأسابيع الماضية، زادت وتيرة مفاوضات إطلاق سراح الرهائن، فيما قال رئيس الحكومة الإسرائيلية مطلع الشهر الجاري إن بلاده لن توافق على “هدنة مؤقتة” من دون إطلاق حماس سراح الرهائن الذين تحتجزهم.

لكن يبدو أن الأمر قد تغير مع تزايد الضغوط الدولية خاصة من الولايات المتحدة – حليفة إسرائيل الرئيسية – ومن أقارب الرهائن الإسرائيليين الذين طالبوا حكومة بنيامين نتانياهو بالتركيز على إطلاق سراح ذويهم. وساعدت مصر- أول دول عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل 1979 وتتقاسم حدودا مع إسرائيل وغزة – في نجاح المفاوضات، لكن يُنظر إلى قطر باعتبارها من قادت المفاوضات.

وبعد الإعلان القطري، نشر الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن  تغريدات  على موقع إكس – تويتر سابقا – تحمل شكرا إلى مصر وقطر على “شراكتهما الحاسمة” في المفاوضات.

الجدير بالذكر أنه في أواخر الشهر الماضي، خرج مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، ليشيد بدور قطر في تغريدة قال فيها إن الدوحة أصبحت “طرفا أساسيا ومساهما في تسهيل الحلول الإنسانية..الجهود الدبلوماسية التي تبذلها قطر حاسمة في هذا الوقت”. ورغم الترحيب الدولي، إلا أن بعض الأصوات انتقدت ما أسفرت عنه الوساطة القطرية حيث قال بعض المعلقين إنه كان ينبغي للمفاوضين بذل المزيد من الجهد لضمان إطلاق سراح المزيد من الرهائن.

وزعم آخرون أن قطر ربما كانت متواطئة بطريقة أو بأخرى في هجمات حماس على إسرائيل نظرا لأن الدولة الخليجية تستضيف عددا من قادة حماس السياسيين، لكن دون تقديم أدلة تُثبت هذا الزعم. يشار إلى أن قطر دأبت على التأكيد في مناسبات عدة على موقفها الداعم  “للقضية الفلسطينية”.

“سويسرا الشرق الأوسط”

ويتفق الخبراء على أن قطر تسير على خط رفيع عندما يتعلق الأمر بسياستها الخارجية حتى ذهب البعض إلى وصف الدوحة بأنها “سويسرا الشرق الأوسط” لأنها تبقي الأبواب مفتوحة أمام الجميع. وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال غيدو شتاينبرغ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ومقره في برلين، إن الدور القطري يتسم “بالحساسية بشكل خاص لأنها تعتمد منذ أكثر من عقدين على مكانتها كوسيط”.

الجدير بالذكر أن قطر كانت بمثابة “حلقة اتصال” بين المجتمع الدولي وحركة طالبان التي كانت تمتلك مكتبا سياسيا في الدوحة، فضلا عن قيامها بالوساطة بين الولايات المتحدة وإيران وحتى بين روسيا وأوكرانيا.

يشار إلى أن قطر تحتضن أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط والتي لعبت دورا مهما في عمليات الإجلاء من أفغانستان عام 2021 وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى منح قطر صفة “حليف رئيسي” خارج الناتو في صفة رسمية لم تمنحها الولايات المتّحدة إلإ لـ 17 دولة.

قالت الأمم المتحدة إن 42 بالمائة من الوحدات السكنية في غزة دمرت أو تضررت جراء القصف الإسرائيلي.

وفيما يتعلق بالصراع بين حماس وإسرائيل، توسطت قطر في السابق بين الطرفين في عدة جولات كان أخرها عام 2014. وكانت قطر قد جمدت علاقاتها مع إسرائيل عام 2009، لكن تقارير تشير إلى استمرار العلاقات بين البلدين بشكل ما من وراء الكواليس فيما تعود العلاقات بين الدوحة وتل أبيب إلى عام 1996 عندما سمحت قطر لإسرائيل بفتح بعثة تجارية في الدوحة في الوقت الذي كانت فيه الدول العربية تعارض بشدة أي علاقات مع إسرائيل.

وفي هذا السياق، قالت سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس البحثي ومقره لندن، في مقابلة سابقة مع المانيا اليوم إن قطر “لديها علاقات براغماتية منذ وقت طويل حيث استخدمت حوافز مالية لإدارة وتهدئة جولات مختلفة من التوترات والعمليات العسكرية بين إسرائيل وحماس”.

بدروه، يرى الصحافي الأمريكي سايمون جويل ومؤلف كتاب: “نريد التفاوض: العالم السري للخطف والرهائن والفِدية” الصادر عام 2019، إن قطر تعمل فيما يمكن وصفه بـ “منطقة رمادية”. وفي مقال نشرته مجلة “نيويوركر” الأمريكية قبل أيام، أضاف جويل إنه على الرغم من أن  مسؤولي قطر  “يقولون إنهم يسترشدون بالمبادئ الإنسانية والرغبة في الحد من الصراعات وتعزيز الاستقرار، فمن الواضح أنهم استخدموا نفوذهم لكسب نفوذ وزيادة مجال رؤيتهم في موقف يعتقدون أنه يعزز أمن قطر في منطقة مضطربة”. وأشار إلى أن هذا التوازن في العلاقات يجعل من قطر “حليفا قيما”، وهو ما تعرفه الدولة الخليجية أيضا.

الإنفاق القطري على قطاع غزة

يشار إلى أن قطر كانت حتى وقت قريب تنفق ما يقدر بنحو 30 مليون دولار (27.4 مليون يورو) شهريا على غزة، بيد أن مراقبين يقولون إن الإنفاق السخي يعد مثالا على مدى تعقيد   الدور القطري  عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين وحماس. وقال البعض إن الأموال القطرية تدعم كتائب عز الدين القسام – الجناح العسكري لحماس – وايضا تُستخدم لأغراض مشينة. الجدير بالذكر أن حماس تدير قطاع غزة منذ عام 2007 بما في ذلك دفع رواتب الموظفين المدنيين في غزة.

وفي ردها، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول قطري قوله إن الأموال القطرية مخصصة للأسر المحتاجة ورواتب موظفي الخدمة المدنية، بما في ذلك الأطباء والمدرسين، في قطاع غزة. وتشير الأمم المتحدة إلى أن 80 بالمئة من سكان قطاع غزة يعتمدون على المساعدات الدولية خاصة في ظل الحصار الذي فرضته إسرائيل بعد سيطرة حماس على القطاع عام 2007 أي بعد عامين من انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.

ينظم أقارب وأصدقاء الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، مسيرات للضغط على الحكومة الإسرائيلية

وأضاف المسؤول القطري أن  الأموال القطرية  تمر فعليا عبر إسرائيل حيث يتم تحويلها إلكترونيا إلى السلطات الإسرائيلية التي تقوم بنقلها إلى سلطات غزة فيما يتم تنسيق ذلك بشكل كامل مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة. رغم ذلك يشير مسؤولون أمريكيون إلى أن نظام حماس في جمع الأموال يتسم بالتنوع والتعقيد في الوقت نفسه، فيما ألمحوا إلى أن بعض الأموال، حتى الممنوحة من من قطر، يمكن أن يتم استخدامها بشكل غير قانوني إلى جانب التمويل المقدم من إيران، التي تعد داعما رئيسيا لحماس.

الجدير بالذكر أنه عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أفراد لهم علاقات بحماس حيث لعبوا دورا في تسهيل تمويل الحركة، فيما استهدفت العقوبات الجديدة شخصيات متواجدة في غزة والسودان وتركيا والجزائر  وقطر.

ويشار إلى أن حركة حماس هي إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنف في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية. كما حظرت الحكومة الألمانية جميع أنشطة الحركة في ألمانيا.

هل سيتغير الدور القطري؟

وفي ضوء نجاح الدور القطري بالوساطة بين إسرائيل وحماس، يقول خبراء إن النجاعة القطرية في إبرام الهدنة تقتضي أن تنأى الدولة الخليجية بنفسها عن حماس بشكل أكبر بعد أن إنتهاء الصراع الحالي. ففي منتصف الشهر المنصرم، دعا أكثر من مئة سياسي أمريكي، الدوحة إلى طرد مسؤولي حماس من أراضيها. وقد جاء ذلك في خطاب وجهوه للرئيس الأمريكي تحت عنوان “ارتباطات (قطر) بحماس.. غير مقبولة”.

في المقابل، قالت الحكومة القطرية إن الانخراط في المزيد من الأعمال الدبلوماسية يعد الحل للسلام. وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال هيو لوفات، محلل شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن “الاتفاق بين إسرائيل وحماس  بوساطة قطرية يمثل أول مكسب دبلوماسي مهم منذ بداية الحرب. هذا الاتفاق فرصة لإفساح المجال أمام التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار يستند على إطار دبلوماسي أوسع”.

ويقول مراقبون إنه في حالة قيام قطر بطرد مسؤولي حماس من أراضيها فقد يقصدون دولة أخرى قد تكون أقل ميلا واستعدادا للمساعدة في حالة دعت الضرورة إلى الشروع في عمل دبلوماسي. وكان قادة حماس بما في ذلك رئيس مكتبها السياسي السابق خالد مشعل يعيشون في سوريا قبل عام 2012.

أعده للعربية: محمد عثمان



(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
Comments (0)
Add Comment