جرت الإشادة باتفاق تبادل الطاقة مقابل المياه بين إسرائيل والأردن والإمارات فيما عُرف باسم اتفاق “الكهرباء مقابل الماء”، العام الماضي؛ باعتباره مثالا يمكن أن يُحتذى به في سياق مساهمة المشاريع البيئية والمناخية في تعزيز التعاون بين بلدان الشرق الأوسط.
وبدوره أشاد وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك خلال زيارته للمنطقة في حينه باتفاق “الكهرباء مقابل الماء”، مشيرا إلى أنه في حالة تنفيذ المشروع كما هو مخطط له، فإنه سيضرب مثالا إيجابيا على تطور التعاون بين الدول العربية وإسرائيل و”سيبني الثقة وسيحفز على تعزيز التعاون بدلا من المواجهة”.
ونص الاتفاق الثلاثي، الذي تُوصل إليه في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2021 على تطوير محطات طاقة شمسية كهروضوئية في الأردن ليتم تصدير كامل إنتاجها من الطاقة النظيفة إلى إسرائيل، التي ستقوم بدورها بتزويد الأردن بالمياه المحلاة.
وكان من المقرر التوقيع على الاتفاق النهائي في قمة المناخ العالمي في دبي نهاية الشهر الجاري، بيد أن هذا الأمر كان قبل هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي وما تلا ذلك من قصف إسرائيلي طال قطاع غزة.
فقبل أيام، خرج وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مقابلة مع قناة “الجزيرة” القطرية ليؤكد أن بلاده “لن توقع اتفاقا لتبادل الطاقة والمياه مع إسرائيل”، متسائلا: “هل يمكن تخيل وزير أردني يجلس إلى جانب وزير إسرائيلي لتوقيع اتفاقية بينما تقتل إسرائيل أهلنا في غزة؟”
تداعيات الصراع
ويرى مراقبون أن الخطوة التي أعلن عنها الأردن تعد المثال الأول والأوقع على تداعيات الصراع بين حماس وإسرائيل على مؤتمر الأطراف حول المناخ “كوب 28″، الذي يعد أحد أهم المؤتمرات الدولية المعنية بمحاربة ظاهرة تغير المناخ؛ نظرا لأنه يجمع كافة الأطراف الـ 197 الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
تمهيدا لمؤتمر المناخ العالمي الذي تستضيفه دبي نهاية العام جرت اجتماعات تحضيرية للقمة في مدينة بون الألمانية
وفي ظل الصراع بين حماس وإسرائيل، فإنه من المرجح أن يضطر المفاوضون خلال مؤتمر “كوب 28” في دبي إلى التعاطي مع بعض تداعيات الحرب، على غرار ما يوحي به إعلان الأردن عدم توقيع اتفاق “الكهرباء مقابل المياه”.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، تقول روث تاونيند، الزميلة بمركز “تشاتام هاوس” البحثي ومقره لندن، “إن سياسات المناخ الدولية والعمل المناخي لا تحدث في معزل عن الأحداث العالمية، حيث إن مواقف الحكومات تتشكل من خلال السياق الجيوسياسي الأوسع الذي قد يعيق أو يسرع التنفيذ”.
ويعتقد مراقبون أن الصراع بين إسرائيل وحماس، المستمر منذ هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، يمكن أن يؤثر بعدة أشكال ملموسة وعلى الأرجح قصيرة الأجل، على مفاوضات قمة المناخ في دبي، التي سوف تكون الأكبر على الإطلاق، فيما يمكن أن يكون الهاجس الأمني مصدر قلق.
ومن المقرر أن يبلغ عدد الحضور في القمة المناخية حوالي 70 ألف شخص وسط أجواء متوترة جراء استمرار الحرب في غزة.
وفيما يتعلق بالدولة المضيفة، فإن الإمارات تتعرض لانتقادات حقوقية نظرا لأنها لا تسمح بأي شكل من أشكال المظاهرات المعارضة للسلطات بالدولة الخليجية، فيما لم تشهد أي احتجاجات مناوئة لإسرائيل وداعمة لغزة كما حدث في بعض بلدان المنطقة.
ورغم أنه لم تصدر أي دولة في العالم تحذيرا من السفر إلى دبي، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود مخاوف، إذ أعلن عملاق الخدمات المصرفية “يو.بي.إس” أنه أبلغ موظفيه بوقف سفريات العمل داخل الشرق الأوسط في ضوء تفاقم الصراع بين إسرائيل وحماس.
يشار إلى أن إسرائيل كانت تخطط لإرسال وفد يضم ألف شخص إلى قمة المناخ في دبي فيما تمت دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحضور حيث كان يُتوقع أن يصل دبي مطلع الشهر المقبل.
لكن وسائل إعلام قالت إن عدد الوفد الإسرائيلي قد يشهد تقليصا، فيما لم يتسن الحصول على رد من وزارة البيئة الإسرائيلية حول ما إذا كانت سوف تمضي قدما في إرسال وفد كبير إلى القمة كما كان مخططا له قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
احتجاجات في دبي
وعلى غرار قمم المناخ السابقة، يتوقع أن تشهد قمة “كوب 28” مظاهرات، فيما سمحت الإمارات بتنظيم الاحتجاجات الرامية إلى حماية البيئة و المنددة بتباطؤ العمل المناخي العالمي.
وفي هذا السياق، كتب فريدريك ويري، الباحث الأول في برنامج الشرق الأوسط في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي، في تقرير نشر منتصف الشهر الماضي، إن هذه المظاهرات “يمكن أن تسلط الضوء على الوضع في غزة وكيف أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى تدمير البُنى التحتية وخدمات المياه في القطاع وتسببت في نزوح جماعي مما سيتسبب في آثار كارثية على الأجيال القادمة من الفلسطينيين الذين هم أكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ”.
وأضاف خبراء أن مبادرات التمويل المناخية يمكن أن تتأثر جراء الصراع بين إسرائيل وحماس في ضوء تحذيرات صندوق النقد الدولي من أن طول أمد الصراع واتساعه إقليميا سوف يؤثران سلبا على الاقتصاد العالمي في خطوة قد تنذر بخفض المساهمات المالية التي تقدمها الدول الأكثر ثراءً والأكثر تلويثًا في شكل تعويضات للدول الأكثر تأثرا بتداعيات التغير المناخي، لكنها في الوقت الأكثر فقرا والأقل نموا.
تداعيات أقل تأثيرا على “كوب 28”
وفي السياق ذاته، يقول مراقبون إن الصراع ربما سيلقى بظلاله على مواقف الدول عندما يتطرق الحديث إلى اتفاقيات حماية البيئة مع تحذيرات من التشتت جراء الحرب عند إجراء كبار الدبلوماسيين مباحثات خلال القمة المناخية للخروج باتفاقيات سيُعلن عنها في ختام “كوب 28”.
ويشير مراقبون إلى أنه من الممكن أن يصبح بعض الدبلوماسيين أقل استعدادا للتوصل إلى حلول وسط مع الدول الأخرى؛ نظرا لتباين المواقف إزاء الصراع بين إسرائيل وحماس.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أشار فيديريكو تاسان فيول، كبير مستشاري السياسات الدبلوماسية في منظمة “إيكو” الإيطالية المتخصصة في أبحاث تغير المناخ، إلى هذه الاحتمالية قائلا: “في ضوء موقف الدول الغربية من الصراع (بين إسرائيل وحماس)، فإنه يتعين عليهم في الوقت الراهن إظهار اهتمامهم بالتنمية المتعددة الأطراف و بانخراط عالمي في مكافحة تغير المناخ”.
وأضاف “يجب عليهم أن يظهروا أنهم يؤمنون بالتعددية في خيارات سياستهم الخارجية. وربما يتيح المؤتمر الفرصة لتعزيز التعاون وإظهار الحسم عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ. ويمكن أن تمهد المفاوضات الطريق أمام تحقيق السلام والأمن”.
ليس كالمعتاد
ورغم كل هذه التحذيرات إزاء تداعيات الصراع على قمة المناخ، إلا أن بعض المراقبين أشاروا إلى أن الإمارات سوف تبذل قصارى جهدها لتحجيم أي تأثير للصراع على الحدث الذي تستضيفه على أراضيها.
الجدير بالذكر أن كل يوم من أيام القمة سوف يتمحور حول قضية بعينها فعلى سبيل المثال سيتم تكريس الثالث من ديسمبر/ كانون الأول للحديث عن “الصحة والإغاثة والتعافي والسلام”.
وفي ذلك، يتوقع تاسان فيول أن تُقدم بعض الدول على “إثارة حالة صخب بشأن العدالة أو الحرية”، مضيفا أن هذا الأمر من المفترض ألا يتسبب في إثارة خلافات كبيرة حيال مسار جدول الأعمال النهائي للقمة.
خطر التغير المناخي أصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى، هل يتفق العالم على مواجهته؟
وكان الباحث يشير في حديثه ضمنيا إلى المفاوضات الفنية بشأن الاتفاقيات والتي استبقت انعقاد المؤتمر بفترة طويلة، قائلا: “من وجهة النظر الفنية، أعتقد أنه من نواحٍ عديدة، أعطت الأعمال التحضيرية اتجاها واضحا بما يشمل تحديد مسار القمة بالفعل”.
ويضيف “هيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ مختلفة عن مجلس الأمن الدولي. واستنادا إلى ذلك، لا أعتقد أن [المندوبين] سوف يخيم عليهم حالة الاستقطاب الدولية الناجمة عن الصراع في غزة”.
بدورها، تأمل روث تاونيند، الباحثة في مركز تشاتام هاوس، في أن تتصدر المخاوف بشأن ارتفاع درجة حرارة الكوكب أولوية قمة المناخ.
وتقول: “مع تزايد التأثيرات المناخية، فمن المرجح للأسف أن نشهد تزايدا في حجم الكوارث والتوترات والصراعات على الموارد المنهكة. سوف تحتاج الحكومات وصناع القرارات السياسية إلى إيجاد سبل للتعاون بهدف التوصل إلى حلول وسط لمعالجة مخاطر المناخ التي لا يمكن أن يطرأ عليها أي تسويف بسبب الأزمات الحالية مهما كانت هذه الأزمات مأساوية وملحة”.
ويشار إلى أن حركة حماس جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنف في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية. كما حظرت الحكومة الألمانية جميع أنشطة الحركة في ألمانيا.
أعده للعربية: محمد عثمان