ترى دول الخليج العربية التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة والمتجددة بمثابة إنذار بالموت لاقتصاداتها القائمة على احتياطيات الوقود الأحفوري لاسيما النفط والغاز، لكن ورغم ذلك، فإن دول الخليج تمضي قدما في مسار الطاقة المتجددة وتتويع إيراداتها بعيدا عن النفط.
وفي هذا الإطار، تقوم السعودية والإمارات وقطر ببناء عدد من أكبر محطات الطاقة المتجددة في العالم.
فقبل استضافتها مونديال كأس العالم أواخر العام الماضي، شيدت قطر محطة للطاقة الشمسية مصممة لتلبية 10% من احتياجات البلاد القصوى من الطاقة بالتزامن مع إعلان السعودية بناء مدينة نيوم التي ستُشغل بنسبة 100 بالمئة بمصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح.
أما الإمارات التي سوف تستضيف أواخر الشهر الجاري قمة المناخ العالمي، فقد قامت بتدشين ما أطلق عليه أكبر محطة للطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم.
ومن شأن هذه المشاريع أن تساعد دول الخليج على الاعتماد على الطاقة المتجددة محليا إذ سوف تعين السعودية على تحقيق هدف إنتاج 50٪ من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 وتساعد الإمارات على تلبية 44٪ من احتياجاتها من الكهرباء بحلول عام 2050.
ورغم ذلك، فإن دول الخليج الست – الإمارات والسعودية والبحرين وعمان والكويت وقطر – مازالت في قائمة الدول الـ15 الأسوأ فيما يتعلق بحجم الانبعاثات فيما احتلت قطر الصدارة حيث بلغ نصيب الفرد داخلها من ثاني أكسيد الكربون 35.59 طنًا عام 2021، مقارنة بـ 8.09 طنًا للفرد في ألمانيا.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال محمد السعيدي، الأستاذ المشارك في مركز التنمية المستدامة بجامعة قطر، إن دول الخليج تتحرك بسرعة كبيرة صوب تحقيق أهدافها الطموحة فيما يتعلق بالتحول إلى الطاقة النظيفة.
النفط للتصدير وجني الأرباح
لكنه قال إن تعزيز دول الخليج مساعيها للتحول إلى الطاقة النظيفة ليس بهدف حماية البيئة فحسب، مضيفا “دول الخليج راغبة في جعل احتياطيات من الوقود الأحفوري منصبة على التصدير لزيادة الأرباح والإيرادات النفطية”.
يشار إلى أن السعودية كانت عام 2020 رابع أكبر مستهلك للنفط في العالم، وسادس أكبر مستهلك للغاز الأحفوري مما قلص إيراداتها من تصدير النفط.
ورغم تفاقم تداعيات ظاهرة تغير المناخ من ارتفاع درجات الحرارة وتزايد وتيرة وضراوة ظواهر الطقس المتطرفة المرتبطة بحرق الوقود الأحفوري، إلا أنه يتوقع أن يزداد الطلب على النفط حتى عام 2040 تقريبا، لكن بمجرد زوال الطلب على النفط، فإن رواسب النفط ستصبح مجرد “أصول عالقة” ومصدرا للخطر ولن تحقق إيرادات.
وفي ذلك، قال السعيدي إن الدافع المهم الآخر للتحول المحلي نحو الاقتصادات المتجددة يتمثل في استمرار جذب الاستثمارات العالمية إلى دول الخليج، مضيفا أن هذا الأمر مهم “لتحسين صورتها ما يعني استمرار تدفق الأموال”.
بدوره، قال جون تروبي، الأستاذ الزائر في مجال القانون بجامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة، إن التحول إلى اقتصاد قائم على مصادر الطاقة المتجددة من شأنه أن يجعل هذه البلدان أكثر جاذبية لرؤوس الأموال الأجنبية.
تغير المناخ يضرب الخليج
ورغم استمرار دول الخليج في تصدير النفط، إلا أن ذلك يشكل خطرا وجوديا عليها إذ مع حرق الوقود الأحفوري المستخرج من السعودية ودول الخليج الأخرى، سوف ترتفع درجات الاحترار العالمي مما يلقي بظلاله على دول الخليج.
ويقول الباحثون إن ارتفاع حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050 سوف يعني ارتفاعا بأربعة درجات في دول الخليج التي تضررت بشدة جراء تجاوز درجات الحرارة عتبة الـ 50 درجة مئوية.
ويحذر الباحثون من أنه من المرجح أن يتجاوز المعدل المتوسط لدرجات الحرارة القصوى في الصيف مستويات البقاء على قيد الحياة في معظم دول الخليج مع تفاقم تداعيات ظاهرة تغير المناخ مثل ارتفاع حرارة الأرض وحدوث عواصف ترابية وارتفاع منسوب مياه البحر.
وفي هذا السياق، قال تروبي إن “المفارقة تكمن في أن دول الخليج تعتمد على عائدات النفط، لكنها أيضا عرضة لمخاطر كبيرة جراء تغير المناخ”.
المراهنة على احتجاز الكربون؟
وفي مسعى للمضي قدما في تصدير الوقود الأحفوري بالتوازي مع الحد من مخاطره على المناخ، بدأت دول الخليج تراهن على عملية تُعرف بـ “احتجاز الكربون وتخزينه” في تقنية تقوم على استخلاص ثاني أكسيد الكربون ثم نقل الانبعاثات وتخزينها في باطن الأرض أو تحويلها إلى منتجات أخرى.
وكان يُنظر إلى هذه التقنية بمثابة الغاية المنشودة لأنها تعني نظريا إمكانية حرق الوقود الأحفوري دون التسبب في تفاقم ظاهرة تغير المناخ، لكن الأبحاث التي استغرقت عقودا لم تستطع إثبات ذلك فيما يرى نشطاء البيئة أن الأمر لم يكن سوى محاولة لتشتيت انتباه العالم بعيدا عن الانخراط في عمل مناخي عالمي حقيقي.
وفقا لما ذكرته وكالة بلومبرغ، فإنه يتم التقاط أقل من 0.1% من الانبعاثات العالمية عن طريق تقنية “احتجاز الكربون وتخزينه” فيما يتوقع أن يزيد عدد المشاريع الحالية بمعدل نصف بالمائة فقط بحلول عام 2030.
كوب 28 في دبي
ويتوقع أن تتطرق قمة المناخ العالمي “كوب 28” التي تعقد في دبي أواخر الشهر الجاري، إلى النقاش حول هذه التكنولوجيا حيث جرى تحديدها من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ باعتبارها إحدى الخطوات المطلوبة للحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية.
وبرز ذلك من خلال دعوة سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات والرئيس المعيَّن لمؤتمر الأطراف “كوب 28 “، إلى التركيز بشكل أكبر على هذه التقنية وذلك خلال كلمته في حوار بيترسبرغ للمناخ في برلين الذي عقد تمهيدا لقمة المناخ في دبي.
وقال الجابر “في إطار الانتقال العملي والعادل للطاقة…يجب أن نركز على التخلص التدريجي من انبعاثات الوقود الأحفوري مع توسيع نطاق البدائل الخالية من الكربون والقابلة للتطبيق وبأسعار معقولة”.
ومع ذلك، يعارض الاتحاد الأوروبي ودول أخرى هذا النهج تحت حجة أن التركيز يجب أن ينصب على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بدلا من الارتكان على تقنيات خفض الانبعاثات.
عجلة التنويع تدور في الخليج
ورغم هذا الجدل، إلا أن الباحثين يقولون إنه في نهاية المطاف سيُغلق صنبور الأموال فيما حذر صندوق النقد الدولي من أن انخفاض الطلب على النفط قد يؤدي إلى تآكل خزائن دول الخليج في فترة زمنية لن تتجاوز الـ 15 عاما.
وعلى وقع ذلك، تسعى دول الخليج إلى تسريع جهودها لإيجاد مصادر بديلة لإيرادات النفطية.
وفي هذا الصدد، تراهن السعودية على إنتاج الهيدروجين الأخضر وبناء صناعات تقوم على الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الألومنيوم مع الإمارات التي بدأت في استخدام الهيدروكربونات لإنتاج البلاستيك والبتروكيماويات.
ويقول الباحثون إن مجال تصدير الطاقة الشمسية يحمل في طياته إمكانيات اقتصادية كبيرة بالنظر إلى ما تتمتع به دول الخليج من شمس ساطعة إذ يمكن لكل متر مربع من الخلايا الشمسية أن ينتج نفس كمية الطاقة التي ينتجها 1.1 برميل من النفط سنويا.
وفي السياق ذاته، تمضي دول أخرى في مسار دبي حيث يمثل الوقود الأحفوري الآن حوالي 5% فقط من حجم إيراداتها فيما تعتمد بشكل كبير على السياحة والمهاجرين وجذب المستثمرين الأثرياء.
وتعد سلطنة عمان من الدول الرائدة في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري حيث شكل النفط 39% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، لكنها تخطط لخفض هذه النسبة لتصل إلى 8.4% بحلول عام 2040 مع التركيز على السياحة والخدمات اللوجستية والتصنيع.
ويقول الخبراء إن هذا التوجه يعتمد بشكل رئيسي على كيفية قيام دول الخليج باستغلال إيراداتها النفطية لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة ومن ثم التحول إلى مستقبل ما بعد الوقود الأحفوري.
وفي ذلك، دعت أغنيس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، دولا مثل السعودية إلى التوقف عن استغلال ما تزخر به من احتياطيات النفطية، قائلة “حان الوقت لأن تعمل السعودية لصالح الإنسانية بما يشمل دعم التخلص التدريجي من صناعة الوقود الأحفوري وهو ما يعد ضروريا لمنع وقوع المزيد من الأضرار المناخية”.
أعده للعربية: محمد عثمان