بعد أن أدلى المصريون في الخارج بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، التي يتوقع أن يفوز فيها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بولاية رئاسية ثالثة، سيتوجه المصريون في الداخل لصناديق الاقتراع على مدى ثلاثة أيام اعتباراً من العاشر من ديسمبر/كانون الأول على أن يتم إعلان اسم الفائز في الثامن عشر منه.
ويفترض أن “ينافس” السيسي ثلاثة مرشحين يقول مراقبون إنهم بلا تأثير سياسي يذكر وهم: فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي والاجتماعي، وعبد السند يمامة، رئيس حزب الوفد، وحازم عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري.
وكان المرشح أحمد الطنطاوي قد فشل في جمع العدد اللازم من التوكيلات لدخول السباق وسط شكاوى متعددة من أنصاره بشأن عراقيل واجهوها لإصدار تلك التوكيلات إلى جانب الاعتداء عليهم من قبل “مأجورين“.
حرب غزة.. مصر طرف لا يمكن الاستغناء عنه
تلعب مصر دور يؤكد الخبراء والمحللون السياسيون أنه شديد الأهمية في الحرب الدائرة حالياً في غزة. فمصر ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل كما أن لديها اتصالات قوية للغاية بكافة الأطراف الفلسطينية، ما جعلها موجودة بشكل دائم كوسيط بين الطرفين.
ويقول محللون إن السيسي سيواصل لعب هذا الدور المحوري بدعم أوروبي وأمريكي كبيرين خاصة مع نجاحه -إلى جانب قطر- في إدارة ملف إطلاق الرهائن بالشكل الذي حاز رضا داعميه الإقليميين والدوليين.
وفي اتصال هاتفي مع المانيا اليوم عربية، يقول كريستيان آخراينر خبير الشؤون المصرية في جامعة روسكيلدي بالدنمارك إن “الدور المصري الحيوي دفع البعض للتحذير في الغرب من أن مصر كشريك مهم يجب ألا توجه له انتقادات حادة للغاية فيما يتعلق بملفي الديمقراطية وحقوق الإنسان أو أن يتم النظر إلى الانتخابات الرئاسية بشكل نقدي”.
ويرى الدكتور جمال عبد الجواد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في القاهرة ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الغرب يدرك أهمية الدور المصري وأهمية حالة الاستقرار فيها للعب هذا الدور “خاصة وأنه سنرى في الشرق الأوسط خريطة مليئة بالدول الفاشلة والدول التي تعاني من اضطرابات بأشكال مختلفة“.
ويقول لـ المانيا اليوم عربية إن الدعم الغربي للقيادة المصرية ينبع من أنه “لا أحد مستعد أن يتعامل مع وضع مضطرب في مصر. ولذلك ونظرا لأهمية الدور المصري فإن الغرب مهتم بالدعم الاقتصادي لها لتبقى مستقرة ولتواصل القيام بدورها الحيوي في المنطقة“.
مخرج محتمل من الأزمة الاقتصادية؟
تأتي الانتخابات فيما سيكون الوضع الاقتصادي في القلب منها، في بلد يعيش ثلثا سكانه تحت خط الفقر أو فوقه مباشرة. وتعاني مصر من أزمة اقتصادية خانقة، يرجعها النظام المصري إلى جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية واختلال سلاسل الإمداد عالمياً وغيرها من العوامل الخارجية.
لكن منتقدين يقولون إن الأمر أعمق من ذلك، حيث استهلك النظام المصري أغلب العملة الأجنبية في مشروعات عملاقة دون دراسات جدوى، واستدان في ذلك مليارات الدولارات ما جعل سداد الديون الخارجية عبئاً مرهقاً بشكل متزايد، الأمر الذي أدى في النهاية لانهيار الجنيه المصري وسط عمليات خفض متوالية لقيمته في محاولة لجذب الاستثمارات مع عمليات بيع لعدد من الأصول المملوكة للدولة.
بيد أنّ المستشار محمود فوزي رئيس الحملة الانتخابية للرئيس المصري يقول إن “الشق الاقتصادي” من برنامجه يقوم على ضرورة الاكتفاء الذاتي من عدد من المنتجات الزراعية وأن الحكومة تواصل خفض معدل البطالة سنوياً بفضل المشروعات القومية.
ويضيف فوزي أن رؤية السيسي الاقتصادية تُعنى بمواجهة التضخم، وزيادة الإنتاج، وتوطين الصناعة، وزيادة الرقعة الزراعية، وجذب المزيد من الاستثمارات، فيما يركز المحور الاجتماعي على “مزيد من تمكين المرأة، وإعطاء أولوية لتطوير التعليم والابتكار والبحث العلمي”.
لكن ومنذ أيام يدور جدل كبير في مصر حول تسريبات إسرائيلية تتعلق بتهجير سكان غزة إلى عدة دول مجاورة ومنها مصر في مقابل دعم مالي سخي من أطرف متعددة ومساعدة مصر للخروج من عثرتها الاقتصادية. وأعاد نشطاء ومغردون تداول مقطع للسيسي يؤكد فيه للرئيس الامريكي السابق ترامب على دعمه لصفقة القرن.
ويقول نشطاء ومدونون إن الصفقة يقصد بها نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، ويستشهدون على ذلك بما يتردد عن إخلاء الكثير من القرى في سيناء في الجانب الحدودي مع القطاع ومنع السكان من العودة استعداد لبناء المناطق التي ستستقبل الفلسطينيين، فيما تقول الحكومة إن تلك الادعاءات غير صحيحة وأن الأمر متعلق بتطوير هذه المناطق.
وفي هذا السياق يقول الدكتور جمال عبد الجواد إن الدولة المصرية نفت بشكل رسمي كل ما يتعلق بصحة هذا الأمر، “وفي الحقيقة كان هذا الموضوع مطروحاً في كل الاتصالات التي تتم بين القيادات المصرية وقيادات الدول الأخرى وعَبرَ أكثر من مسؤول مهم في الدولة سواء مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي“.
ويضيف عبد الجواد أن “الدولة المصرية نجحت في إرسال رسالة للرأي العام المصري أنها ليست في وارد التفاعل مع أي نوع من هذه الخطط”، مؤكداً أن “مصر ليس لها أي أجندة خفية وأن أي حديث عن تسهيلات مالية أو دعم اقتصادي بشكل عام أو خلال المناقشات الحالية مع صندوق النقد الدولي بشأن زيادة حجم القرض الذي تريده مصر ليس مرتبطاً بالصراع في غزة ولا هو مقابل لمصر بأي شكل من الأشكال“.
من جانبه، لا يتوقع كريستيان آخراينر خبير الشؤون المصرية في جامعة روسكيلدي بالدنمارك أن تؤدي الانتخابات الرئاسية إلى تحسن كبير في الوضع الاقتصادي في مصر، وكل ما يهم الغرب هو استقرار مصر.
ويقول إن “عدم استقرار مصر يشبه الكابوس بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين، لأنه سيكون ضارًا في النهاية بجميع المصالح الأوروبية في المنطقة وفي أوروبا، خصوصا فيما يتعلق بمسألة الهجرة عبر المتوسط التي يساعد فيها النظام المصري بقوة”.
ولذلك يركز الغرب في التعاون مع مصر على مسائل الأمن والاقتصاد والطاقة أكثر من التركيز على الديمقراطية، والنظام المصري يستغل ذلك لصالحه“.
أما تيموثي قلدس نائب مدير مركز التحرير في واشنطن فيرى أنه بينما يتوقع كثيرون أن يتحرك السيسي لخفض قيمة العملة في أعقاب الانتخابات، “فإن مثل هذه الخطوة وحدها ستكون أقل مما يجب عمله وهي خطوة متأخرة للغاية لتحسين الاقتصاد، ناهيك عن الخروج من الأزمة”.
ويقول “ليس الناخبون من يمنع السيسي من معالجة هذه المشكلة؛ وإنما هي الدائرة الداخلية لنظامه والتي تسببت بممارساتها الضارة في الأزمة الاقتصادية في مصر. وهي مصممة لتحقيق فائدة مباشرة للنخب الحاكمة في البلاد على حساب ملفات مثل الصحة والمالية العامة للدولة والرفاهية الاقتصادية“.
حقوق الإنسان .. أي أمل في انفراجة قريبة؟
لطالما كان وضع حقوق الإنسان في مصر مثاراً لجدل محتدم بين مصر وحلفائها في أوروبا والولايات المتحدة. ووفق ما إشارت منظمات حقوقية دولية فإن النظام المصري يحتجز قرابة 60 ألف شخص لأسباب سياسية، فيما يؤكد النظام المصري أنهم محتجزون لانتهاكهم قوانين، كما يُتهم النظام المصري باستمرار بأنه يمارس التعذيب بشكل منهجي في مراكز الاحتجاز وهو ما ينفيه النظام أيضاً.
ويخشى خبراء قانونيون وحقوقيون من وضع حقوقي أشد سوءا مما سبق قد تشهده مصر بعد فوز السيسي “المؤكد” بالانتخابات، وربطوا ذلك بالحاجة إلى مصر كوسيط مؤثر في حرب غزة، وهو ما سيجعل الغرب يخفف كثيراً من ضغطه على النظام المصري في هذا الملف.
ولا يعتقد كريستيان آخراينر أن وضع حقوق الإنسان سيتحسن أو أن هناك إمكانية لانفتاح سياسي حقيقي بأي شكل من الأشكال بعد إعادة انتخاب السيسي. ويقول إنه “في السنوات الأخيرة، كانت هناك بعض التحسينات الصورية لحقوق الإنسان ومع ذلك، فإن هذه كلها تحسينات صورية لأنها لم تكن أكثر من مجرد حيل دعائية من كونها تحسينات حقيقية”.
ويتابع قائلاً إنه “على سبيل المثال عندما تم إلغاء قانون الطوارئ، كان النظام قد أصدر بالفعل العديد من القوانين العادية، وهي قوانين قمعية، والتي حملت في جوهرها العديد من الصلاحيات الخاصة التي يتمتع بها النظام بموجب قانون الطوارئ، بمعنى اخر لم يعد هناك حاجة لهذا القانون لأن مواده نُقلت لقانون آخر. ومعظم منتقدي السيسي الحقيقيين لم يتم السماح لهم بالمشاركة في الانتخابات فيما تم قمع آخرين واختفوا من المشهد”.
أما تيموثي قلدس فيقول إنه لا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن ولاية جديدة للسيسي ستفتح أبوابًا سياسية ذات مغزى أمام شخصيات معارضة أو المجتمع المدني، ويضيف أنه “في حين أفرجت الحكومة عن أكثر من ألف سجين سياسي خلال العام الماضي، زعمًا أنه جزء من انفتاح سياسي وحوار وطني، إلا أن جماعات حقوق الإنسان المصرية تخبرنا أنه تم اعتقال ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف عدد من تم إطلاق سراحهم، وأن الكثيرين لا يزالون محتجزين دون محاكمة أو حتى اتهامات“.
من جانبه، يقول الدكتور جمال عبد الجواد أستاذ العلوم السياسية إنه ينظر للنظام السياسي المصري على أنه نظام في مرحلة الانشاء، “وهو في ذلك يقوم بالبناء جزءا جزءا، وربما حدث توسع في المجال العام خلال السنة أو السنة ونصف الأخيرة بشكل ملحوظ“.
ويضيف: “صحيح لم نصل للحالة المثالية لكن هناك توسع بشكل معقول، أيضاً هناك حوار عام دائر في المجتمع يعبر عن وجهات نظر متعددة لم يكن مسموحاً لها أن تظهر بشكل بارز في الفترة السابقة وهذه كلها خطوات للأمام وأتصور أنه ستكون هناك فرصة في الرئاسة القادمة للرئيس السيسي أن يعمق هذه الأمور“.
ويؤكد عبد الجواد أن “الصراع في غزة أضر بفرص الإصلاح السياسي في مصر، مضيفاً أن “انشغال الرأي العام بقضايا الأمن القومي تجاوز الاهتمام بقضايا الإصلاح السياسي وهذا منعكس بدرجة ما على اهتمام الناس بالانتخابات الرئاسية ذلك أن الجمهور مستعد أن يسمع الآن فقط عن الأمور المتعلقة بالأمن القومي بشكل أكبر من أي موضوع آخر“.
في هذا السياق، يقول المستشار محمود فوزي رئيس الحملة الانتخابية للرئيس المصري إن من أهداف المحور السياسي للرئيس المصري زيادة التعددية وتنشيط الحياة الحزبية، وتبني نظام انتخابي يوسع التمثيل النيابي، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان.
وفي زيارة لحملة السيسي الانتخابية للمجلس القومي لحقوق الإنسان، قال فوزي إن السيسي عمل على تعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل كما أطلق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بما يؤكد جدية الدولة المصرية وقناعتها بأهمية النهوض وتعزيز حقوق الإنسان بمصر.
محمود حسين/جينيفر هوليز