منذ بداية عام 2023 وحتى ديسمبر/كانون الأول منه، أعدمت السلطات الإيرانية أكثر من 690 سجيناً، وفقاً لمنظمتي حقوق الإنسان “مركز حقوق الإنسان في إيران” و”منظمة هنغاو لحقوق الإنسان” ومقرها أوسلو، واللتين استندتا بياناتهما على إحصاءات إيرانية رسمية.
ورغم هذا العدد الكبير، تعتقد المنظمات الحقوقية أن هناك حالات أكثر من عمليات الإعدام غير المبلغ عنها والتي يتم تنفيذها بشكل خفي بعيداً عن أعين الجمهور وغالباً ما لا تظهر إلا بعد سنوات، عندما يكون لدى الأقارب الثكلى الشجاعة للتحدث عن الأمر علانية.
في هذا السياق، قال الناشط الإيراني في مجال حقوق الإنسان سعيد دهقان لـ المانيا اليوم إن “العالم مشتت بسبب حرب غزة”، وأن “جمهورية إيران الإسلامية تستفيد إلى أقصى حد من هذا الوضع لقمع منتقديها، خاصة مع عمليات الإعدام التي يمكن أن أصفها بأنها قتل من جانب الدولة بدافع الانتقام وتخويف المجتمع من خلال العنف”.
وكان دهقان – الذي يعيش في كندا منذ عام 2022 – قد أسس شبكة عالمية من المحامين الإيرانيين، ويرأس مركزاً قانونياً يسمى Parsi Law ، والذي يقدم المشورة القانونية للأشخاص في إيران. كما يدعم المركز جهود المنظمات الدولية، مثل هيئات الأمم المتحدة، لتحسين حقوق الإنسان في إيران.
وقال دهقان: “الحقيقة المحزنة هي أنه بمجرد إفراغ الشوارع في إيران من المتظاهرين، يتم نسيان البلاد ويعود المجتمع الدولي إلى العمل كالمعتاد مع الجمهورية الإسلامية”. ويضيف الحقوقي الإيراني: “يدرك نشطاء حقوق الإنسان أن كل بلد في العالم يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة. ومع ذلك، يجب عدم تجاهل القمع الهائل في إيران. لا سيما من قبل السياسيين في الدول الغربية، حيث حقوق الإنسان هي أحد المبادئ السياسية الأساسية”.
حملة القمع على حركة حقوق المرأة
وقد حكم بالإعدام على ما لا يقل عن ثمانية أشخاص قُبض عليهم خلال مظاهرات داعية لحقوق المرأة في جميع أنحاء إيران والتي كان شعارها “المرأة، الحياة، الحرية” وذلك بعد محاكمات صورية، ومنهم من اُعدم في الأشهر الأخيرة. ومن بين الذين تم إعدامهم ميلاد زوهريفند البالغ من العمر 21 عاماً. ففي 30 نوفمبر/تشرين الثاني، أعدم زوهريفند دون سابق إنذار، ودون أن تتاح له فرصة توديع عائلته. ووفقاً لنشطاء حقوق الإنسان، لم يُسمح له حتى بالاتصال بمحامِ أو بزيارات عائلية أثناء سجنه.
وكتبت السجينة الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام نرجس محمدي في رسالة إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة: “إن الذبح والقتل لا يحدثان في الحرب فقط”.
وفي رسالة مفتوحة، شارك فيها زوج نرجس محمدي مع المانيا اليوم، طلبت الحائزة على نوبل من مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة وسريعة لوقف عمليات الإعدام في إيران.
وكتبت محمدي: “في هذا العالم حيث كل شيء معولم، هل الإنسانية استثناء؟ هل يكفي الإدلاء ببيان على الورق؟ هل الإرادة العالمية لوقف عمليات الإعدام الواسعة النطاق التي تجري في المدن الإيرانية مشلولة بأعذار فارغة لا أساس لها من الصحة؟”.
منذ الثالث من ديسمبر/ كانون الأول، قطعت السلطات الإيرانية جميع اتصالات محمدي بالعالم الخارجي. وبذلك لا تسمح لها السلطات بإجراء مكالمات هاتفية أو استقبال زوار. وهكذا تم إسكات صوتها وصوت غيرها من منتقدي النظام الإيراني.
في الثاني من ديسمبر/كانون الأول، أُلقي القبض على مغني الراب الإيراني توماج صالحي بعد عدة أيام من إطلاق سراحه من السجن. وبرر القضاء إعادة اعتقاله بتصريحات أدلى بها في مقطع فيديو بزعم “نشر الأكاذيب ومحاولة التأثير على الرأي العام”.
نَشر الموسيقي مقطع فيديو يشارك فيه تفاصيل كيفية اعتقاله ومضايقته. تم القبض على صالحي في البداية بسبب إظهار تضامنه مع الاحتجاجات بشأن حقوق المرأة التي عمت البلاد في خريف عام 2022، وحُكم عليه لاحقًا بالسجن لمدة ست سنوات.
لا مساحة لحرية التعبير في إيران
يتعرض الصحفيون والإعلاميون في إيران لضغوط هائلة بهدف عدم نشر أي مقالات انتقادية للنظام. في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، اتخذ مكتب المدعي العام في طهران إجراءات قانونية ضد صحيفة اعتماد، التي تنتقد الحكومة بحذر. وكانت الصحيفة قد نشرت وثيقة سرية تظهر مقتطفاً من توجيه وزاري بشأن “اعتقالات” و”إجراءات أخرى” ضد النساء اللاتي يرفضن ارتداء الحجاب الإلزامي في الأماكن العامة.
وبحسب الوثيقة، فإن واجبات “شرطة الأخلاق” الإيرانية تشمل التقاط الصور ومقاطع الفيديو للنساء لضمان التزامهن بقواعد اللباس في “مناطق المترو”، بما في ذلك “داخل العربات”. ونشرت الصحيفة هذه الوثيقة بعد أن ادعى وزير الداخلية الإيراني، في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، أن مُراقبات الأخلاق مواطنات يرغبن في “أداء واجباتهن الدينية والنهي عن المنكر”.
كانت الضحية الأخيرة لهذا “الشعور الديني المزعوم بالواجب” تلميذة تبلغ من العمر 16 عاماً، كانت التلميذة في طريقها إلى المدرسة في بداية أكتوبر/تشرين الأول، ولم تكن ترتدي الحجاب. وبحسب مصدر تحدث لصحيفة غارديان البريطانية، فقد تعرضت الفتاة لهجوم من قبل ضابط شرطة الأخلاق في مترو الأنفاق. وبدلاً من الذهاب إلى المدرسة في ذلك اليوم، تم نقلها إلى المستشفى بعد أن دخلت في غيبوبة. وتوفيت فيما بعد ودُفنت في نهاية أكتوبر/تشرين الأول.
أعده للعربية: عماد حسن