اهتمت دول عربية عدة خلال عام 2023 بالقطاعات العلمية والبحثية بشكل كبير، فمن علوم الفضاء والفلك إلى الأبحاث المتعلقة بالسرطان وكذلك تقنية النانو والذكاء الاصطناعي، برزت دول عربية ليس فقط على المستوى الإقليمي وإنما على المستوى الدولي بما حققته من إنجازات علمية كبيرة.
الفضاء والفلك
منذ إطلاق إطلاق دولة الإمارات العربية المتحدة مهمة “مسبار الأمل” إلى المريخ في عام 2021، وهي أول مهمة فضائية عربية إلى الكوكب الأحمر وإعلانها عن إطلاق مهمة أخرى إلى “حزام الكويكبات” بحلول 2028، تتقدم الدولة الخليجية بخطى ثابتة في هذا المجال.
في هذا العام انطلق رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي في مهمة إلى الفضاء الخارجي قضى خلالها ستة أشهر في المحطة الفضائية الدولية. انطلق النيادي (41 عاماً)، الذي أطلقت عليه جامعته لقب “سلطان الفضاء” في مهمته على متن كبسولة “دراغون” التي حملها صاروخ SpaceX Falcon 9. وأجرى النيادي خلال إقامته بالمحطة مئتي مهمة بحثية.
أيضاً شهد العام إطلاق الإمارات مبادرة جديدة تستهدف مجالات أخرى في قطاع صناعة الفضاء والذي تراهن عليه الحكومة لترسيخ أقدامها في هذا المضمار. شملت المبادرة برنامجاً لتطوير الأقمار الاصطناعية الرادارية تحت مسمّى “سرب”.
وكانت الحكومة قد كشفت عن المشروع للمرة الأولى صيف العام الماضي بالتوازي مع خطط لتأسيس صندوق لدعم قطاع الفضاء برأسمال يبلغ ثلاثة مليارات درهم (قرابة 820 مليون دولار)
تقول الإمارات إن الخطوة جاءت في إطار توجهات الدولة لدعم تكنولوجيا الفضاء لترسيخ مكانتها في هذا القطاع وصناعاته المتقدمة، وتأهيل كوادر إماراتية وتطوير شركات محلية تسهم في نموه. وتأمل الإمارات أن تطور قطاعاً جديداً يلعب دوراً رئيسياً في اقتصادها بالمستقبل.
أيضاً، أصبحت الباحثة السعودية ريانا برناوي المتخصصة في أبحاث الخلايا الجذعية، أول امرأة سعودية وعربية تسافر إلى الفضاء بعد انطلاقها على متن رحلة شركة Axiom Space.
الطاقة الخضراء والمتجددة
رغم أن من بينها دولاً منتجة للنفط والغاز بكميات تجعلها في المراتب الأولى على مستوى العالم في مجال انتاج الوقود الأحفوري، لكن مجال الطاقة الخضراء والمتجددة شهد الكثير من الإنجازات في العالم العربي
وبحسب تقرير أصدره مرصد الطاقة العالمي فإن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زادت من قدراتها في مجال الطاقة المتجددة بنحو 57% بين عامي 2022 و2023، لتصل إلى 19 غيغاوات، مع توقعات بارتفاع قد يصل إلى زيادة مقدارها نصف هذا الإنتاج خلال 2024.
فالإمارات على سبيل المثال تمكنت خلال 2023 من إنتاج نحو 3 غيغاواط من الطاقة من مشاريع الطاقة الشمسية وحدها، كما وسعت المغرب من محطات إنتاج الطاقة من الرياح خلال هذا العام.
وبحسب تقرير دولي صدر في عام 2022، يبلغ متوسط إمكانات انتاج الطاقة من الطاقة الشمسية في المغرب نحو 5 كيلوواط في الساعة لكل متر مربع يومياً، كما توسع المغرب في تعظيم الاستفادة من طاقة الرياح إذ أمكن توليد 25 ألف ميغاواط من طاقة الرياح، ما جعل المغرب يحتل المركز الثاني كأكبر دولة أفريقية في هذا المجال بعد جنوب أفريقيا.
ووفقاً لمؤسسة غلوبال إنرجي مونيتور، جاءت مصر والأردن في المركزين الثاني والثالث على قائمة أكثر الدول العربية توليدًا للكهرباء من الطاقة الشمسية بين 2022 و2023. وتخطط مصر لزيادة نسبة الطاقة المنتجة من موارد متجددة إلى 42% بحلول عام 2035. وفي القائمة نفسها جاءت المغرب في المركز الرابع، فيما حلت قطر في المركز الخامس.
تقليل الانبعاثات
أعلنت عدة دول عربية عن استراتيجيات متعددة بهدف تحقيق الحياد الصفري في الانبعاثات الكربونية. فعلى سبيل المثال أعلنت الإمارات عزمها على تحقيق الحياد الصفري في الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050 من خلال إطلاق برنامج “الطاقة النظيفة لدولة الإمارات” والذي أُعلن عنه في سبتمبر من عام 2023، بهدف توليد 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2050.
الاستراتيجية نفسها أعلنت عنها السعودية وإن كانت قد حددت عام 2060 لتحقيق الحياد الصفري في الانبعاثات الكربونية. وفي هذا الإطار أطلقت المملكة “البرنامج الوطني للطاقة المتجددة”، بهدف رفع نسبة المحتوى المحلي غير البترولي؛ والوصول إلى تحقيق تنمية مُستدامة طويلة المدى من خلال إنتاج 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030.
اما مصر فقد حددت عام 2070 للوصول إلى الحياد الصفري في الانبعاثات الكربونية من خلال الوصول إلى توليد 42% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2035. وأعلنت في هذا الإطار عن خطة لزراعة 20 مليون شجرة بحلول عام 2030.
وفي يوليو/ تموز 2023 أعلنت مصر الانتهاء من تنفيذ 29 مشروعًا لاسترجاع الغازات التي يتم حرقها خلال استكشاف آبار البترول وقالت إن الخطوة ساهمت في خفض سنوى فى الانبعاثات نحو 1.4 مليون طن من ثانى أكسيد الكربون.
في هذا الاطار أيضاً أعلنت الإمارات عن خطة لزراعة 10 مليارات شجرة بحلول عام 2030، وذلك بهدف امتصاص الكربون من الغلاف الجوي، فيما أعلنت السعودية عن خطة لزراعة 100 مليون شجرة بحلول عام 2030، للهدف ذاته.
مجالات علمية متنوعة
شهد عام 2023 أيضاً عدة انجازات في قطاعات علمية مختلفة في عدد من الدول العربية.
وجاء في تقرير عام 2023 الذي أصدرته قاعدة البيانات العربية العلمية “معرفة” والتي تتابع مقدار ما ينشر في أبحاث في العالم العربي فما يسمى بعامل التأثير والاستشهادات “أرسيف Arcif”، أن الجزائر حلت في المركز الأول عربياً على صعيد إنتاج المجلّات العلمية المحكّمة الأكثر تأثيراً عربياً بـ 445 مجلّة فيما جاءت مصر في المرتبة الثانية بـ 283 مجلة، والعراق ثالثاً بـ مجلّة 155، والسعودية بالمرتبة الرابعة بـ 63 مجلة، وجاءت الأردن بالمرتبة الخامسة بـ 32 مجلّة.
أما من حيث ترتيب الدول العربية بحسب عدد الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات دولية عام 2023 فجاءت مصر في المركز الأول برصيد 35 ألف بحث، وجاءت السعودية في المركز الثاني برصيد 30 ألف بحث والجزائر في المركز الثالث برصيد 25 ألف بحث.
وفي مصر، نجح علماء في تطوير تقنية زراعية مبتكرة يمكنها تحسين إنتاجية المحاصيل بنسبة تصل إلى 30%. وتستخدم هذه التقنية، المعروفة باسم الري الدقيق precision irrigation، وتشمل أجهزة استشعار لمراقبة رطوبة التربة وسقي النباتات فقط عند الضرورة، ما يقلل من استهلاك المياه والهدر، مع تحسين نمو المحاصيل أيضًا.
وفي الإمارات العربية المتحدة، نجح علماء إماراتيون بمركز أبو ظبي للخلايا الجذعية في تطوير علاج جديد للسرطان يستخدم العلاج المناعي المعدل وراثيا لاستهداف الخلايا السرطانية وقتلها، ويقول العلماء إن هذا العلاج لديه القدرة على أن يكون أكثر فعالية وأقل سمية من علاجات السرطان التقليدية.
وفي المملكة العربية السعودية حقق العلماء السعوديون تقدمًا كبيرًا في الذكاء الاصطناعي في عام 2023. فقد أطلقت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (KACST) في البلاد مركزًا دوليا جديدًا لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، كما أطلقت الحكومة السعودية أيضًا استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي.
وفي المغرب، تم الإعلان عن تطوير علماء مغاربة لتقنية جديدة لتحلية مياه البحر بصورة أكثر كفاءة واقل كلفة من الطرق التقليدية. ويتوقع خبراء أن تكون هذه التقنية الجديدة قادرة على توفير المياه النظيفة لملايين الأشخاص في البلاد وحول العالم.
وخلال عام 2023 حققت الجزائر تقدماً كبيراً في مجال تكنولوجيا النانو، حيث وأطلق المركز الوطني للبحوث في علوم النانو وتقنيات النانو (CNR Nano) برامج بحثية جديدة، واستثمرت الحكومة أيضاً في تطوير صناعة تكنولوجيا النانو.
استحدثت الجزائر 4 مدارس عليا جديدة ربما هما الأولى من نوعها في العالم العربي والأفريقي والتي تعنى بتقنية النانو وتطبيقاتها، حيث أنشأت مدرسة عليا لتكنولوجيا النانو ومدرسة عليا للأنظمة المسيرة ومدرسة عليا للروبوتات، ومركز بحث في علوم الرياضيات التطبيقية.
جوائز عربية ودولية لعلماء عرب
وعلى مستوى الجوائز الدولية في العلوم، فاز العالم الأمريكي من أصول تونسية منجي الباوندي الأستاذ بجامعة “إم آي تي” بجائزة نوبل للكيمياء 2023 لاكتشافه مع زملائه وتطويرهم لما تسمى بـ”النقاط الكمومية”، وهي بلورات نانوية من أشباه الموصلات ذات التطبيقات المتعددة، وهي جزيئات نانوية شديدة الصغر بحيث يحدد حجمها خصائصها.
كما أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عن فوز البروفيسور فاضل أديب، الأستاذ المشارك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، بجائزة نوابغ العرب عن فئة الهندسة والتكنولوجيا.
كما تصدر تصدر الباحثون المصريون قائمة الفائزين بجائزة مؤسسة عبد الحميد شومان، المخصصة للعلماء العرب، في دورتها (41) بالأردن، وفاز بالجائزة 6 باحثين من مصر و3 من الأردن، و2 من لبنان، وباحث من فلسطين وآخر من العراق.
كما أعلنت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في دورتها الـ 41 عن الفائز بجائزة الكويت للتقدم العلمي والتي تمنح سنوياً للعلاء العرب ممن حققوا اسهامات بارزة في المجال العلمي والفكري وفاز بها الباحث السعودي الدكتور فوزان الكريع استاذ الوراثة البشرية في كلية الطب بجامعة فيصل تقديرا لابحاثه في اكتشاف جينات مرضية جديدة تسبب أمراضاً وتشوهات خلقية.
كما منحت الصين العالم المصري الدكتور محمود عبد العاطي جائزة أفضل علماء الرياضيات في العالم لعام 2023 لكونه واحداً من أهم علماء الرياضيات في العالم، ولمساهماته الأساسية في الخوارزميات الكمومية، والبصريات الكمومية.