ما حقيقة تهديد الحوثيين باستهداف كابلات الإنترنت البحرية؟


بعد الضرر الذي سببته هجمات الميليشيات الحوثية لحركة الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب، نشرت مجموعات محسوبة على الجماعة اليمنية خريطة على قناة في تطبيق المراسلة “تيليغرام” تظهر فيها شبكة كابلات الإنترنت الدولية التي تمر في البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، وبحر العرب، ومنطقة الخليج وأرفقت الخريطة بتهديد ضمني:

“توجد خرائط للكابلات الدولية التي تربط جميع مناطق العالم عبر البحر. ويبدو أن اليمن في موقع استراتيجي، حيث تمر بالقرب منها خطوط الإنترنت التي تربط قارات بأكملها – وليس الدول فقط”. 

 وفي اليوم نفسه، نشرت قناة تيليغرام تابعة لحزب الله اللبناني صورة بالأقمار الاصطناعية للبحر الأحمر وكتبت: “هل تعلم أن خطوط الإنترنت التي تربط الشرق بالغرب تمر عبر مضيق باب المندب؟” كما نشرت قناة أخرى تدعم الميليشيات المدعومة من إيران في العراق قائلة: “كابلات الإنترنت العالمية التي تمر عبر مضيق باب المندب أصبحت في قبضتنا”.

مخاوف متصاعدة .. ونفي حوثي رسمي

ومنذ بداية الحرب في غزة استهدف الحوثيون سفناً زعموا أنها تابعة لإسرائيليين أو في طريقها إلى إسرائيل، وهو ما نقته الأخيرة. لكن مع بدء تشكل تحالف دولي لحماية السفن، ثور المخاوف من لجوء الميلشيات اليمنية لاستهداف كابلات شبكة الإنترنت العالمية.

ووفقاً لتقارير صحفية، هدد أحد قادة الحوثيين بأنه في ضوء تشكيل التحالف الدولي لحماية حرية حركة السفن في منطقة باب المندب، يمكنهم “إعادة الغرب إلى العصر الحجري”، بحسب ما نشر موقع “كالكاليست” العبري.

وبخلاف هذه الجملة الغامضة في خطاب القائد الحوثي وتفسيراته المتشددة على الشبكات الاجتماعية، لم يصدر أي بيان محدد آخر يتضمن تهديداً مباشراً وواضحاً لكابلات الاتصالات الدولية التي تمر عبر مضيق باب المندب.

على العكس من ذلك نفت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، في حكومة الحوثيين بصنعاء، صحة تلك المزاعم عبر بيان رسمي، وما وصفتها بالادعاءات بوجود تهديدات تجاه الكابلات البحرية المارة من باب المندب، وأكد البيان أن “وزارة الاتصالات اليمنية حريصة على تجنيب خطوط وكابلات الاتصالات وخدماتها أي مخاطر“:

 

ما أهمية كابلات الإنترنت البحرية؟

تتم الغالبية العظمى من الاتصالات في العالم اليوم باستخدام الكابلات تحت الماء، فأكثر من 95 بالمائة من الاتصالات الدولية (الصوت والبيانات) تنتقل عبر الكابلات تحت الماء. ويبلغ طول كابلات الاتصالات تحت الماء في قاع البحار في جميع أنحاء العالم نحو 800 ألف كيلومتر، وهي تضمن قدرة مواطني العالم على التواصل بصور مختلفة.

تتكون هذه الكابلات في الغالب من ألياف بصرية، والتي تنقل المعلومات بمعدل يساوي حوالي 150 مليون مكالمة هاتفية عبر الإنترنت في وقت واحد.

ومثل طرق التجارة فوق مستوى سطح البحر، يُعد نشر كابلات الاتصالات في منطقة البحر الأحمر أحد أهم المحاور وأكثرها ازدحاماً حيث تربط الجزء الشرقي من الأرض بالغرب.

وتمر شرايين الاتصال الرئيسية عبر قاع المحيط الهندي ومياه بحر العرب من الهند، على طول سواحل شبه الجزيرة العربية إلى البحر الأحمر وقناة السويس في طريقها إلى البحر الأبيض المتوسط وشواطئ أوروبا.

 

ويمر ما يقرب من 20 كابل بحري محتلف في مضيق باب المندب، وهي نقطة استراتيجية تقع في مرمى سهام الحوثيين.

ما مدى صعوبة استهداف كابلات الإنترنت البحرية؟

ويشير خبراء إلى الصعوبة البالغة لاستهداف تلك الكابلات البحرية بعمل تخريبي خاصة وأنها تقع على عمق مئات وآلاف الأمتار تحت مستوى سطح البحر، وأكد بعضهم أن ميليشيا الحوثي حتى وإن كانت مدعومة بالمعرفة والتكنولوجيا والأسلحة والتدريب العسكري من جانب إيران، إلا إنها تفتقد التقنيات الخاصة لتنفيذ عمليات كهذه.

وتشير التقديرات الدولية إلى أن حوالي مائتي كابل اتصالات بحري يتضرر كل عام في جميع أنحاء المحيطات، أغلبها أضرار عن غير قصد ناجمة عن معدات الصيد ومراسي السفن. ومع ذلك، يبدو أن حوالي ثلث الضرر ناتج عن نشاط متعمد.

وكانت شركة التكنولوجيا العملاقة غوغل قد أعلنت قبل عدة سنوات أنها بدأت التخطيط لمد شبكة ألياف ضوئية تمر عبر كابل بحري وأرضي بين الهند وأوروبا. ولتجاوز القسم البحري من هذه الكابلات والتي يفترض أن تمر من أمام اليمن، تخطط غوغل لمد الكابل في السعودية وإسرائيل، مع تجنب نقل الاتصالات عبر قناة السويس، أو عبر مناطق تتميز بعدم الاستقرار السياسي مثل اليمن وسوريا وإيران والعراق.

حجم هائل من البيانات

ويشير موقع “وايرد” التقني إلى أن هناك 16 كابل للإنترنت تمر عبر البحر الأحمر، حيث تقوم برحلة طولها 100 ميل حتى تصل إلى البحر الأبيض المتوسط. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 17% من حركة الإنترنت في العالم تنتقل عبر هذه الكابلات، حيث تعالج هذه الخطوط ما بين 17% إلى 30% من حركة الإنترنت في العالم، أو ما يعادل بيانات 1.3 إلى 2.3 مليار شخص.

تشير التقديرات إلى أن حوالي 17% من حركة الإنترنت في العالم تنتقل عبر كابلات الانترنت البحريةصورة من: Andriy Popov/PantherMedia/IMAGO

ويقول آلان مولدين، مدير الأبحاث في شركة أبحاث سوق الاتصالات TeleGeography، إن هذه المنطقة كانت لديها في عام 2021 نحو 178 تيرابايت من السعة، ويضيف أن مرور البيانات عبر كابلات البحر الأحمر وعبر مصر إلى أوروبا يعد أقصر طريق يصل بين آسيا وأوروبا. وأضاف أنه في حين أن بعض كابلات الإنترنت العابرة للقارات تمر سطحياً عبر الأرض، إلا أنه من الآمن بشكل عام وضعها في قاع البحر حيث يصعب تعطيلها أو التطفل عليها.

وبحسب تقرير صدر في 2010 عن البنية التحتية العالمية لاتصالات الكابلات البحرية، فإن كل حركة الاتصالات الإلكترونية العابرة للقارات في العالم تجرى عبر الكابلات البحرية، وأنه من دون هذه الكابلات فلن يكون هناك إنترنت ولا اتصال بين قارات العالم.

وجود بدائل وغياب الحماية

ويؤكد خبراء لموقع “وايرد” التقني أنه يكاد يكون من المستحيل تعطيل كافة كابلات الإنترنت في البحر الأحمر، كما أن الشركات المسؤولة عن هذه الخطوط لا تستخدم كابلًا واحدًا فحسب، بل إن لديها كابلات متعددة في مناطق أخرى، واذا تعطل أحد تلك الخطوط، فسيتم إعادة توجيه حركة مرور البيانات عبر كابلات أخرى. 

وتقول أثينا كاراتزوغياني الباحثة المتخصصة في الكابلات البحرية والقوانين المنظمة لهذا القطاع، إن “نظام كابلات الألياف الضوئية يربط بين الدول الرئيسية في العالم وينقل أكثر من 95% من المكالمات وحركة البيانات العالمية”، وتضيف أنه “بالنظر إلى أهمية الكابلات البحرية، فهي غير محمية بشكل جيد بموجب القانون الدولي، ويمكن اعتبارها المثال الأكثر وضوحاً على غياب القدرة على توفير الحماية اللازمة للبيانات”، بحسب ما نشر موقع مركز سيتا للأبحاث.

أيضاً يقدم الإنترنت الفضائي نوعاً من الدعم حال حدوث أي أضرار لبعض الكابلات، لكنه حتى اليوم لا يمكن اعتباره بديلاً كاملاً للكابلات الموجودة تحت الماء، وسيحتاج الأمر إلى عدة عقود للوصول إلى هذه المرحلة. 

عواقب وخيمة لانقطاع كابلات الإنترنت البحرية

يقول خبراء إنه وفي حالة افتراض الانقطاع الكامل لكابلات الإنترنت وخصوصاً في منطقة شديدة الحساسية كالشرق الأوسط، سيؤدي إلى حالة من الشلل التام في التواصل، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على الشركات والحكومات والأفراد الذين يعتمدون على هذه الخدمات في العمليات اليومية، بما في ذلك الاتصالات والتجارة الإلكترونية والمعاملات المالية والوصول إلى المعلومات.

الكوارث الطبيعية كتهديد للإنترنت

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video

اقتصادياً، تعد منطقة البحر الأحمر مجالا حيويا للعديد من الدول ذات الأنشطة الاقتصادية المهمة، بما في ذلك التجارة والسياحة والصناعات البحرية. وقد يؤدي قطع كابلات الإنترنت إلى تعطيل هذه الأنشطة الاقتصادية من خلال إعاقة الاتصالات والمعاملات التجارية والخدمات اللوجستية. وقد يؤدي ذلك إلى خسائر مالية هائلة، وانخفاض في الإنتاجية، وفقدان محتمل للعديد من الوظائف.

أيضاً يعد البحر الأحمر مسار لا غنى عنه يربط بين الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، ومن شأن قطع كابلات الإنترنت في هذه المنطقة أن يعزل المناطق المتضررة عن الشبكة الرقمية العالمية، مما قد يؤدي إلى العزلة الإقليمية وتراجع الاتصال ببقية العالم، وقد تؤدي هذه العزلة إلى إعاقة التعاون الإقليمي وتبادل المعلومات وتعطيل التقدم التكنولوجي.

ويثير العبث المحتمل بكابلات الإنترنت أو قطعها مخاوف تتعلق بالأمن السيبراني، فعندما تتلف الكابلات، فقد يؤدي ذلك إلى خلق فرص للوصول غير المصرح به لبيانات حساسة ويزيد من احتمال حدوث اختراقات سيبرانية، وقد يؤدي ذلك إلى تعريض المعلومات الحساسة والأمن القومي والخصوصية الشخصية للخطر.

وتكمن المشكلة في أن استعادة الاتصال بالإنترنت بعد انقطاع الكابل تتطلب وقتًا وموارد كبيرة. ويعد إصلاح الكابلات البحرية عملية معقدة تتضمن سفنًا ومعدات متخصصة كالغواصات. وستحتاج البلدان أو المنظمات المتضررة إلى تنسيق جهود الإصلاح، والتي قد تتطلب تعاونًا وخبرة دولية. وبحسب موقع ومدى الضرر، قد يستغرق الأمر أيامًا أو حتى أسابيع لاستعادة الاتصال الكامل.

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
Comments (0)
Add Comment