على مسافة لا تبعد أكثر من عشرة كيلومترات عن مكان عقد “مؤتمر فانزي” السري لقيادات الحزب النازي عام 1942 لبحث تنفيذ “الحل النهائي للمسألة اليهودية”، عقد اجتماع سري آخر في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 في فندق “لاندهاوس أدلون” المطل على بحيرة “لينتسزي” في مدينة بوتسدام، بالقرب من العاصمة الألمانية.
وأوردت منصة تحرّي الحقائق الألمانية “كوركتيف” أن أعضاء من حزب البديل من أجل ألمانيا ونازيين جدد ورجال أعمال من ألمانيا والنمسا اجتمعوا للبحث في خطة لطرد أجانب أو حاملي الجنسية الألمانية من أصول مهاجرة.
ونقل الموقع الإلكتروني لمجلة “دير شبيغل” أنه يبدو أن الدعوة للاجتماع تمت عبر الرسائل الورقية لا الإلكترونية، حتى لا يكون هناك أي آثار رقمية يمكن العثور عليها.
وقدم المؤسس المشارك لـ”حركة الهوية” اليمينية المتطرفة، مارتن سيلنر، مشروعاً لإعادة حوالي مليوني شخص من طالبي اللجوء والأجانب والمواطنين الألمان الذين لم يتم اندماجهم، إلى شمال إفريقيا، بحسب كوركتيف. وأكد سيلنر لوكالة فرانس برس “نعم، لقد كنت موجوداً … وتم ذلك في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وقد قدمت كتابي ورؤيتي لهوية إعادة التهجير”، وهو مصطلح تتداوله الجهات المعادية للأجانب في أوروبا.
ونقلت مجلة “دير شبيغل” عن منصة تحرّي الحقائق الألمانية “كوركتيف” أن أعضاء جمعية تطلق على نفسها اسم “اتحاد القيم ” (Werteunion)، وهي جمعية تضم في عضويتها أيضا أعضاء من أقصى اليمين في الحزبين الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي (البافاري) المعارضين وآخرين، شاركوا كذلك في الاجتماع. ويرأس الجمعية الرئيس السابق لمكتب حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية)، هانز-غيورغ ماسن.
ما موقف حزب البديل؟
وأكد حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، أنه حضر الاجتماع. وحضر عن الحزب الممثل الشخصي للزعيمة المشاركة للحزب أليس فايدل، رولاند هارتفيغ، وكذلك النائب غيريت هوي، ورئيس الكتلة النيابية لحزب “البديل” في برلمان ولاية ساكسونيا، ألريش سيغموند، بحسب المنصة.
وأوضح حزب البديل في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى وكالة فرانس برس، أن هارتفيغ “قدم ببساطة مشروعاً لموقع تواصل اجتماعي” خلال هذا الاجتماع. وأضاف الحزب أن هارتفيغ “لم يقدم استراتيجيات سياسية ولم ينقل إلى الحزب أفكار سيلنر بشأن سياسة الهجرة. كما أنه لم يكن يعلم بهذه الأفكار مسبقاً”.
ومن جهتها، نقلت هيئة الإذاعة والتلفزة العمومية “زارلاندشا روندفونك” عن رئيس فرع حزب البديل في ولاية زارلاند، كارستن بيكر، أن التقارير المشار إليها هي لـ”الإثارة الإعلامية”. ولم ينتقد المسؤول الحزبي محتوى اللقاء وما جاء فيه من طرد محتمل لمواطنين ألمان، لكنه أكد على أن حزب البديل طالب منذ فترة طويلة وبشكل علني وواع بـ”الهجرة العكسية”.
وفي الصيف الفائت، ظهر كارستن بيكر نفسه في فعالية في مدرسة في ولايته مرتدياً قميصاً مطبوعاً عليه “شعبنا أولاً. الاكتفاء الذاتي – السيادة – الهجرة العكسية”، وهو عنوان حملة أطلقتها “حركة الهوية” اليمينية المتطرفة.
وزيرة الداخلية تحذر
ومن طرفها، حذرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر من التهاون. وقالت فيزر لمجلة شتيرن: “نرى مرة أخرى أنه من الضروري والصحيح لمكتب حماية الدستور أن يراقب عن كثب الدوائر اليمينية المتطرفة. أعداء الدستور يتواصلون مع ممثلي حزب البديل من أجل ألمانيا ويتم نشر أيديولوجيات غير إنسانية. لا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن هذا الخطر”.
وفي إعادة نشر تغريدة لمقال مجلة “دير شبيغل الأسبوعية” حول الاجتماع، قالت وزيرة الداخلية نانسي فيزر “إن هذه الأيديولوجية موجهة ضد أساس ديموقراطيتنا. إن كرامة الإنسان لا يمكن انتهاكها، كرامة أي إنسان”.
وضع خطير للغاية، لكن الحقوق مكفولة
وفي مقابلة حصرية لبرنامج “المسائية” على قناة المانيا اليوم عربية، رأى الصحفي الألماني المختص بقضايا التطرف اليميني، روب سافلبيرغ الاجتماع “خطيراً للغاية” وأن المجتمعين “يريدون ثورة يمينية”.
ولفت الخبير إلى العلاقة والاتصال المباشر التي كانت قد جمعت بين المتحدث الرئيسي في الاجتماع والمؤسس المشارك لحركة الهوية النمساوية، مارتن سيلنر، ومنفذ جريمة الهجوم على مسجدين في نيوزيلندا عام 2019، والذي أسفر حينها عن مقتل أكثر من خمسين شخصاً، برينتون تارانت.
وحذر الخبير من “التوجه الكبير نحو اليمين” وأن “قوة شوكة المعارضة اليمينية وخاصة في شرق ألمانيا تقوى يوماً بعد يوم”.
وفي إجابته على سؤال عما إذا كانت أوروبا مازالت ملائمة للأجانب في ضوء المخاوف من وصول حزب البديل لسدة الحكم كما حصل في هولندا بحصول المتطرف خيرت فيلدرز على أعلى أصوات في الانتخابات الأخيرة وسعيه لتشكيل حكومة ائتلافية، قال سافلبيرغ: “الحقوق الأساسية مكفولة والمحاكم تضمن ذلك والبرلمانات موجودة”، بيد أنه عاد وشدد على خطورة فيلدرز وأمثاله على الديمقراطية في أوروبا.
ويحرز حزب البديل الخاضع، لرقابة المكتب الاتحادي لحماية الدستور، وهو جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني، تقدماً في استطلاعات الرأي. وقد استفاد هذا الحزب في الأشهر الأخيرة من شعور السكان بعدم الأمان بسبب التدفق الجديد للمهاجرين إلى البلاد والخلافات المستمرة بين الأحزاب الثلاثة التي تشكل الائتلاف بزعامة المستشار أولاف شولتس. ويأمل الحزب الشعبوي في البناء على نجاحاته في استطلاعات الرأي للفوز في الانتخابات الأوروبية المقررة في حزيران/يونيو وفي ثلاث انتخابات إقليمية في شرق البلاد، في ولايات ساكسونيا وتورينغن وبراندنبورغ.