لماذا تنتقد ناميبيا دعم ألمانيا لإسرائيل أمام العدل الدولية؟


انتقدت ناميبيا بلهجة شديدة الحدة الموقف الألماني تجاه تصرفات إسرائيل في غزة. ووصف الرئيس هيج جينجوب ألمانيا بأنها “غير قادرة على استخلاص الدروس من تاريخها القاسي”، في الإشارة إلى الإبادة الجماعية ضد شعبي هيريرو وناما التي ارتكبتها ألمانية القيصرية بين عامي 1904 و1908.

ويقول هيج جينجوب إن الحكومة الألمانية لم تكفر بعد عن أول إبادة جماعية في القرن العشرين، بحسب المؤرخين.

ألمانيا تدافع عن إسرائيل في لاهاي

وأدلى هيج جينجوب بهذه التصريحات بعد رفع جنوب أفريقيا قضية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.

وفي ردها يوم الجمعة (12 كانون الثاني/يناير 2024) رفضت إسرائيل هذه الاتهامات وتحدثت عن “تصور مشوه” لجنوب أفريقيا.

وعرضت ألمانيا التدخل للدفاع عن إسرائيل في الدعوى، الأمر الذي أثار الرئيس الناميبي، الذي دعا ألمانيا إلى “إعادة النظر في قرارها بالتدخل للدفاع” عن إسرائيل.

ورفضت الحكومة الألمانية بشدة ادعاءات هيج جينجوب. وقال كريستيان فاغنر، المتحدث باسم وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك: “لقد أخذنا علماً بالطبع بما صدر عن الرئيس الناميبي. إننا نسمي الجرائم المرتكبة ضد الهيريرو والناما والدامارا والسان بما هي عليه في الواقع: إبادة جماعية. ونحن نرفض وضع المحرقة (النازية المرتكبة بحق اليهود) على قدم المساواة مع الأحداث في غزة”.

وتتفق مع هذا الرأي عضوة البرلمان الألماني أنيت فيدمان-ماوز من الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض والمفوضة الاتحادية للهجرة واللاجئين والاندماج في عهد المستشارة أنغيلا ميركل: “ارتكاب ألمانيا، وفق الفهم الحالي، إبادة جماعية ضد الهيريرو والناما، يلقي على كاهلنا مسؤولية خاصة. ومن هنا فمن المنطقي أن تقف ألمانيا إلى جانب إسرائيل”، كما جاء في ردها على سؤال لـ المانيا اليوم.

وبعد تردد كبير، اعترفت ألمانيا بالجرائم الاستعمارية المرتكبة في ناميبيا على أنها إبادة جماعية في عام 2021، لكن بدون اعتراف قانوني.

اتفاقية المصالحة مع ناميبيا

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video

نائبة يسارية معارضة: “غطرسة استعمارية جديدة”

ومن وجهة نظر سيفيم داغدلين، عضو البرلمان الألماني عن حزب اليسار المعارض، فلا يمكن إلقاء اللوم على ناميبيا بسبب الانتقادات الهائلة الموجهة إلى “المعايير المزدوجة” التي يتبناها الائتلاف الحاكم. وقالت في مقابلة مع المانيا اليوم: “إن رفض الحكومة الاتحادية الشامل والمهين تقريباً لعريضة الدعوى الجنوب إفريقية هو دليل على الجهل الغربي وغطرسة استعمارية جديدة”.

وتابعت السياسية اليسارية: “من الواضح أن الائتلاف الحكومي، المكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، قد فقد منذ فترة طويلة أي إحساس بالتطورات ودرجة التحرر في بلدان أفريقيا وبلدان الجنوب. الانحياز الخاطئ إلى جانب الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل تفقد الحكومة مصداقيتها وتعزل ألمانيا عن العالم”. وتناشد سيفيم داغدلين الحكومة الاتحادية بدعم النداء العالمي المتزايد من أجل وقف فوري لإطلاق النار. 

وأسفر هجوم حماس الإرهابي على جنوب إسرائيل عن مقتل 1140 شخصاً في إسرائيل، معظمهم مدنيون. وخطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا نُقلوا إلى قطاع غزّة، حيث لا يزال 132 منهم محتجزين، بحسب السلطات الإسرائيلية. ويرجح أن 28 على الأقل لقوا حتفهم.

رداً على الهجوم، تعهّدت إسرائيل بالقضاء على الحركة، وهي تنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف مركز وعمليات برية باشرتها في 27 كانون الأول/أكتوبر، ما أسفر عن سقوط 25105 قتلى معظمهم من النساء والأطفال، بحسب السلطات الصحية التابعة لحماس،

يذكر أن حركة حماس، هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

هل الأمر مجرد حملة انتخابية؟

بالعودة إلى ناميبيا: فاجأ الرئيس هيج جينجوب الكثيرين بكلماته الحادة، لكن جوهر تصريحه ليس جديداً بالنسبة للمحللة السياسية الناميبية راكيل أندرياس: “تنحو الحكومة لتسمية القمع والاستعمار والميول الإمبريالية بمسمياتها الحقيقية”، تقول في مقابلة مع المانيا اليوم.

دأبت الحكومة الناميبية على المطالبة بحق تقرير المصير للفلسطينيين منذ سنوات، وكان آخرها في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2023. وهي ليست وحدها في هذا الأمر في القارة الأفريقية. تقول راكيل أندرياس: “بينما كنا ننظر إلى الغرب منذ فترة طويلة باعتباره صوت القناعة الأخلاقية، يبدو الآن كما لو أن الدول الأفريقية ترقى إلى مستوى الحدث”.

لكن الخبيرة السياسية تشير أيضاً إلى أن ناميبيا ستشهد هذا العام انتخابات برلمانية ورئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وقالت أندرياس لـ المانيا اليوم: “لقد حقق الرئيس ما كان يأمل من موقفه: الدعم الشعبي”. وتشير إلى أن الانتقاد جاء مباشرة من مكتب الرئيس وليس من وزارة الخارجية.

“يجب مقاضاة ألمانيا أمام العدل الدولية”

ومع ذلك، ربما يكون هيج جينجوب قد أدى دون وعي إلى تأجيج غضب أحفاد المتضررين من الإبادة الجماعية الألمانية. ورحب الممثلون التقليديون لقبيلتي ناما وهيريرو بتصريحات الرئيس الناميبي.

من ناحية أخرى، يتهم ناندي مازينجو، رئيس “مؤسسة أوفاهيرو للإبادة الجماعية” (Ovaherero Genocide Foundation)، الحكومة الناميبية بالنفاق، ويقول في مقابلة مع المانيا اليوم مخاطبا جينجوب: “أنت تدين ألمانيا بشدة لدعمها إسرائيل، لكن في الوقت نفسه لا يمكنك إدانة ألمانيا عما ارتكبته من إبادة جماعية هنا. وبدلاً من الإدانة، تواصل الحكومة دعم بيانها المشترك مع ألمانيا الذي ينفي الإبادة الجماعية في ناميبيا. إن الصيغة الألمانية التي تقول إنها “إبادة جماعية حسب الفهم الحالي” هي تغطية لغوية للحقائق”.

ومن هنا يدعو ناندي مازينجو الرئيس هيج جينجوب للعمل على حمل ألمانيا على الاعتراف الشامل بالإبادة الجماعية أمام المجتمع الدولي، ويقول “ما فعلته جنوب إفريقيا من أجل فلسطين، يجب على ناميبيا أن تفعله أيضاً من أجلنا هيريرو وناما: رفع دعوى على ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية”.

أعده للعربية: خالد سلامة

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
Comments (0)
Add Comment