“العدل الدولية” تأمر سوريا بوقف التعذيب والحفاظ على الأدلة | أخبار المانيا اليوم
أمر قضاة في محكمة العدل الدولية اليوم الخميس (16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023) سوريا باتخاذ إجراءات لوقف التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة في إطار تدابير طارئة في قضية رفعتها هولندا وكندا على دمشق في المحكمة، وذلك في أول قضية أمام العدالة الدولية بشأن انتهاكات النظام خلال الحرب التي بدأت في عام 2011.
وقالت رئيسة محكمة العدل الدولية جوان دونوهيو: “لا بد لسوريا (…) أن تتخذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع أعمال التعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية أو المذلة الأخرى”، وضمان ألّا يرتكب مسؤولوها أو الآخرون الخاضعون لسيطرتها أي أفعال تعذيب.
وأمرت هيئة قضاة المحكمة -المؤلفة من 15 قاضيًا- دمشق أيضًا بأن “تتخذ إجراءات فعالة لمنع إتلاف الأدلة وضمان الحفاظ على جميع الأدلة” المحتملة حول مزاعم التعذيب، بما في ذلك التقارير الطبية وسجلات الوفيات. واستمع قضاة المحكمة الدولية في لاهاي خلال تشرين الأول/أكتوبر إلى شهادات من معتقلين سوريين وصفوا فيها عمليات اغتصاب جماعي وتشويه وطريقة عقاب “موحّدة” تنطوي على وضع الأشخاص في إطار سيارة وضربهم بشكل “مبرح”.
ورفعت هولندا وكندا في حزيران/يونيو القضية في محكمة العدل الدولية. وتقولان إن سوريا تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب من خلال إساءة معاملة عشرات آلاف الأشخاص، وكثير منهم موجودون في منظومة الاحتجاز الشاسعة في سوريا. وطلبت الدولتان من المحكمة اتخاذ “تدابير موقتة” من أجل وقف جميع أشكال التعذيب والاعتقال التعسّفي في سوريا، وفتح السجون أمام مفتّشين من الخارج، وتبادل المعلومات مع العائلات بشأن مصير أقاربهم.
ووفقًا للشكوى المقدّمة من البلدين، فإن التعذيب في سوريا “منتشر ومتجذر.. ويستمر اليوم”، مشيرة إلى أن الضحايا يتحملون “آلامًا جسدية وعقلية لا يمكن تصوّرها، ويعانون جراء أعمال التعذيب، بما في ذلك المعاملة المقيتة في الاعتقال.. والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي”. وأضافت الدولتان نقلًا عن تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن “عشرات الآلاف ماتوا، أو يعتقد أنهم قضوا نتيجة التعذيب”.
دمشق ترفض القضية وتقاطع الجلسات
وتقاطع سوريا جلسات استماع المحكمة ولم تحضر لسماع الحكم، كما تجاهلت الجلسة الأولى في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، بعدما كانت قد رفضت القضية واصفة الاتهامات بأنها “تضليل وأكاذيب”، وقالت إنّها “تفتقر إلى أدنى درجة من المصداقية”. وترفض الحكومة السورية والرئيس السوري بشار الأسد اتهامات التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء في حرب تقول الأمم المتحدة إنها أودت بحياة عشرات الآلاف.
وتمثل القضية المرة الأولى التي تنظر فيها محكمة دولية في مزاعم انتهاكات مرتكبة في سوريا خلال 12 سنة من الصراع. وتملك محكمة العدل الدولية صلاحيات إصدار أوامر طارئة لضمان عدم تدهور وضع ما خلال عدة أعوام تستغرقها المحكمة بشكل عام للحكم في القضية الرئيسية. لكنها لا تملك صلاحيات تنفيذ أحكامها. ولم يتحدد بعد موعد لجلسات الاستماع في القضية الرئيسية. وتفصل محكمة العدل الدولية في نزاعات بين دول وستنظر في زعم ادعاء أن الدولة السورية مسؤولة عن التعذيب.
ويحاكم بعض مسؤولي النظام السوري في أعمال تعذيب في قضايا ضمن السلطة القضائية الدولية، لا سيما في ألمانيا، لكن هذه القضايا تركز على المسؤولية الجنائية الفردية. ولطالما كان هناك استياء في العواصم الغربية بسبب عدم وجود خطّة أوسع لتقديم هذه القضايا أمام القضاء الدولي. وكان الهولنديون أطلقوا أول محاولة في إطار السلطة القضائية الدولية في أيلول/سبتمبر 2020 لتحميل سوريا مسؤولية الانتهاكات المفترضة لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي وقّعت عليها دمشق. وانضمّت كندا إلى القضية في آذار/مارس التالي.
ولم تتمكّن محكمة العدل الدولية التي تتخذ من لاهاي مقرًّا من التعامل مع سوريا، لأنّ دمشق لم تصادق على نظام روما الأساسي، أي المعاهدة التأسيسية للمحكمة. وكانت روسيا والصين قد منعتا مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يقضي بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية في العام 2014. وأدّت عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الساحة الدولية في أيار/مايو، مع حضوره قمة للجامعة العربية للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، إلى إعادة القضية إلى الواجهة.
وأصدرت محكمة فرنسية مؤخرًا مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس بشار الأسد وشقيقه ماهر، القائد الفعلي للفرقة الرابعة في الجيش السوري، وعميدين آخرين، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية على خلفية هجمات كيميائية اتُهمت دمشق بشنها صيف 2013.
م.ع.ح/خ.س (أ ف ب ، رويترز)