من اليابان إلى ألمانيا – تقاليد جنائز مختلفة حول العالم
في مصر القديمة كانوا يقومون بتحنيط الفراعنة، وكذلك حدث الأمر نفسه في القرون اللاحقة بالنسبة لبعض الحكام الآخرين، ومن بينهم ملك فرنسا لويس الرابع عشر، الذي يُعرف بـ “ملك الشمس”، وكذلك الزعيم الشيوعي لينين. والرسالة هي: أجسادهم قد ماتت، ولكنهم خالدون. حتى اليوم هناك ثقافات تقوم بتحنيط جثث موتاها. في حين تقوم ثقافات أخرى بدفنها أو حرقها أو تقطيعها. نقدم هنا بعض طقوس الجنازات في مناطق مختلفة من العالم.
“الدفن السماوي” في التبت
وسط مرتفعات التبت، تجتمع نسور حول جثة مقطعة إلى أجزاء صغيرة. “الراجياباس”، أي متعهدو الدفن في البوذية، قد تركوا لهم الجسم ليتغذوا عليها. ويتبعون بذلك تقليد “الدفن السماوي” القديم: عندما يموت شخص ما، يُمد له طعام رمزي لبضعة أيام أخرى بينما يقرأ له راهب من كتاب الموت التبتي. ويهدف الراهب بهذا إلى إقناع الروح بمغادرة الجسد. في يوم الجنازة، يقوم اللاما بطقوس “الشعنذة” (استحضار روح الميت) للميت لآخر مرة، قبل أن يتم نقل الجثمان إلى مكان الدفن قبل غروب الشمس. ويقوم الراجياباس بتقطيع الجسد وتقسيم الرأس حتى تتمكن الروح من الهروب. بعد ذلك تكون مهمة النسور هي نقل المتوفى إلى “باردو”، أي العالم الوسيط بين الموت والتجديد.
الهند: الحرق والماء المقدس
حتى في الهندوسية يؤمنون بأنه يتم إعادة تجسيد كل إنسان عدة مرات. لذلك يجب حرق الجثة في أقرب وقت ممكن بعد الوفاة، لأنه فقط عندئذ يمكن للروح أن تتحرر من الجسد وتواصل رحلتها. في الهند يلعب نهر الغانج دورًا خاصًا في هذا السياق. وهو يُعتبر نهرا مقدسًا وفقًا للديانة، لأنه من المفترض أن يرمز إلى إحدى ضفائر شعر الإله شيفا. لذلك فمن يستحم هنا يتخلص من جميع الخطايا. وهذا هو أيضًا السبب في تشييد العديد من محارق الموتى على ضفافه. بعد حرق الجثة، يقوم الأقارب بجمع الرماد ونثره في نهر الغانج مرفقًا بالزهور والأكاليل. يأملون أن يتجنب المتوفى بهذه الطريقة الدورة الأبدية للولادة والموت والتجديد، ويصل إلى النيرفانا – أي حالة السكينة، حيث تهدأ فيها الروح أخيرًا. تجري حوالي 100,000 عملية دفن سنويا على ضفاف الغانج – وهو تطهير للروح، ولكن ليس للنهر: إنه أحد أقذر المسطحات المائية في العالم.
فن تشكيل التوابيت في غانا
في بعض الأماكن الأخرى يعتمد الناس بشكل أكبر على الدفن في باطن الأرض، ولكن التوابيت ليست جميعها متشابهة! في غانا على سبيل المثال، تم تأسيس فن تشكيل التوابيت، والذي لا يمتلك الكثير من التشابه مع النماذج الشائعة للتوابيت التي على شكل صناديق. فبدلاً شكل الصندوق يرمز التابوت هنا إلى ما كان مهمًا بالنسبة للمتوفى في حياته: هل كان موسيقياً في فرقة؟ فيمكن طلب توابيت بشكل الجيتار. هل كان صاحب حانة؟ لماذا لا يكون مكان دفنه زجاجة بيرة؟ لا حدود للخيال… ومع ذلك، يبدو أن السعر ليس متاحًا للجميع، بحيث قد لا يكون بإمكان الجميع تحمل تكلفة نموذج توابيت أكثر تميزًا.
إندونيسيا: الرحلة الطويلة إلى أرض الأموات
ولكن أغلى من ذلك هي مراسم الدفن لشعب توراجا في إندونيسيا. لكي تجد روح الفقيد طريقها إلى أرض الأموات، تحتاج إلى مساعدة الأحياء. لأنه إذا ضلت الطريق وتجولت بين العوالم، قد تتحول إلى تهديد للأحياء. بعد وفاتهم، يتم تحنيط المتوفين أولاً ويتم عرضهم في منزل العائلة. في بعض الأحيان لفترة قصيرة فقط، وفي بعض الأحيان لسنوات، لأن أفراد العائلة يدخرون لاحتفالية دفن ضخمة تستمر لعدة أيام، بهدف تيسير الطريق للروح إلى الآخرة. كلما ارتفع الوضع الاجتماعي للفقيد، كانت الاحتفالات على نحو أكبر وأوسع. قد يجتمع المئات من الضيوف في بعض الأحيان، الذين يجب استضافتهم وإيواؤهم جميعًا. خلال مراسم الجنازة، يتم ذبح العديد من الحيوانات، بشكل رئيسي الجاموس المائي، التي تعتبر في توراجا ليس فقط رمزًا للقوة والثراء، ولكنها تساعد أيضًا المتوفين في العثور على الطريق إلى الآخرة. كما أن مصارعة الديوك هي أيضًا جزء من الطقوس.
ذروة الاحتفال هي الدفن الفعلي. يُعلق المتوفى في تابوت خشبي منحوت ببراعة على حائط صخري أو يُعرض في كهف محفور في الصخور. يمكن للعائلات بأكملها أن تجد مساحة هنا. أمام المقابر الصخرية، على ما يشبه الشرفة، توجد تماثيل خشبية تسمى “تاو تاو”، والتي من يفترض أنها تمثل المتوفى.
مدغشقر: ملابس جديدة للأسلاف
في جزيرة مدغشقر الأفريقية، يعتبر الموتى جزءًا من العائلة مثلهم مثل الأحياء. وهؤلاء “الرازانا” لديهم موهبة خاصة تمكنهم من التحدث مع الآلهة. لذلك من الجيد أن يكونوا بجانبك كوسطاء؛ لأن إغضاب أسلافك يمكن أن يسبب سوء الحظ ويؤذي الأسرة بأكملها. ومع ذلك يمكن استرضاء الرازانا الغاضبين في احتفال “فاماديهانا” الخاص بالموتى. في بعض الأحيان يقررون هم تاريخ الحفل بأنفسهم عن طريق الظهور في حلم لأحد الأقارب. ولكن في الغالب، يتصل “أومبياسي”، وهو شافي مدغشقري، بالموتى لتحديد الوقت المناسب لفاماديهانا، حيث يتم دعوة الأقارب البعيدين والجيران والأصدقاء. في يوم الاحتفال يتم لف المتوفين في أقمشة حريرية ثمينة، ويتم تقديم الأحياء والأموات لبعضهم البعض. يُقدم المضيفون وجبات طعام فاخرة ومشروب “تواكا غاسي” الكحولي المصنوع في المنزل. يتم شرب الكثير، والضحك، والرقص. وعندما يُوضع المتوفون بعد ذلك في القبر المنظف والمطلي حديثا، يأمل أن يكونوا راضين عندئذ. حتى موعد إقامة إحتفال فاماديهانا التالي. وعادة ما يقام هذا المهرجان كل ثلاث إلى سبع سنوات، حيث أنه يكون مكلفًا ومعقدًا جدًا.
مهرجان أوبون الياباني
في العديد من الدول الآسيوية أيضًا، يُكرم الناس أسلافهم أيضا. لذا تقيم عائلات في المنازل ما يعرف بـ”كاميدانا” (ضريح مصغر) ويُكرم الأموات بالزهور والبخور. وفي المقابل، يمكن طلب خدمات صغيرة وكبيرة من الأموات. وفي اليابان يوجد سنويًا في منتصف أغسطس/ آب مهرجان للآباء يستمر لثلاثة أيام يُسمى “أوبون”: وبحسب المعتقد البوذي يعود الأموات مرة واحدة في السنة من الآخرة إلى منازلهم وعائلاتهم، ويجب أن يتم استقبالهم بشكل لائق. ولضمان أن يجدوا الطريق بسهولة، يُشعل الناس النيران الترحيبية أو الفوانيس على مذبح المنزل في الحدائق. ويُقدم الأقارب الباقون على قيد الحياة كل يوم أطعمة تتغير يوميا لأسلافهم، بما في ذلك “زلابية الوداع”. يهدف التقديم الرمزي إلى تخفيف معاناة الأموات الذين قد يكونون جوعانين.
ووفقًا للاعتقاد الشائع، يعود الأموات في نهاية مهرجان أوبون إلى الحياة الآخرة، لذا تقوم العائلات باستخدام الخيار والباذنجان بصنع حيوانات ركوب تنقلهم إلى الآخرة. وتُستخدم أعواد الأكل كأرجل لهذه الحيوانات. ويتم وضعها إما على المذبح أو أمام الباب ويكون الوداع مرة أخرى بالنار: تضيئ النيران على شكل حروف الكتابة اليابانية، وتتمايل الفوانيس العائمة برفق على الأنهار والبحيرات. وقد أصبح أوبون الآن مهرجانا شعبيًا، حيث تخرج البلاد بأكملها تقريبا لتحية أسلافهم في مسقط رأسهم.
“التعري” لأجل الموتى في تايوان
في تايوان، هذه الدولة الجزيرة الآسيوية يفضل الأقارب طلب “سيارة الزهور الكهربائية” لحضور الجنازة. إنها مقطورة شاحنة مزينة بالكثير من الزهور والأضواء الساطعة، على سطحها ترقص نساء بملابس خفيفة على أعمدة رفيعة للمتوفى والمشيعين. وفي حالة الضرورة، يمكن استخدام سيارة جيب معدلة. يترافق مع ذلك نغمات موسيقى البوب الصاخبة من مكبرات الصوت.
هذه العادة التي تبدو غريبة لم تظهر إلا في سبعينيات القرن الماضي. ويبدو أن العالم السفلي في تايوان شعر برائحة تجارة جيدة في ذلك الوقت: كشركاء في شركات الجنازات، قدموا ببساطة راقصات التعري “ستريبتيز” من نواديهم الليلية في “حزمة الجنازة” التي كانت ميسورة التكلفة. سيجذب ذلك المزيد من المشيعين، كانت حجة مبيعاتهم، وسيروق أيضًا للآلهة. علاوة على ذلك، تُعتبر الراقصات هدية للأموات الذين كانوا يحبون الترفيه أثناء حياتهم. في المدن الكبيرة تُعتبر “سيارات الزهور الكهربائية” غالبًا أنها غير أخلاقية، ولكن في الريف – حيث يكون هناك أقل تسلية – فإنها تحظى بشعبية أكبر.
ألمانيا: وليمة الجنازة وأحد الموتى
في ألمانيا، كما هو الحال في معظم البلدان في جميع أنحاء العالم، سيكون من غير الممكن تقريبًا إقامة مثل هذا الحدث. ففي ألمانيا يُدفن الأموات في تابوت أو في جرة، وتُلقى خطب مؤثرة، ويلقي المشيعون ترابًا أو زهورا في القبر كنوع من الوداع للمتوفى. بعد ذلك يجتمع الناس لاحقا لتناول مشروب القهوة والكعك، فيما يسمى بـ”وليمة الجنازة، ويظهرون أن الحياة مستمرة. وبعد ذلك يتذكر الناس الأحياء موتاهم في أيام الأعياد المسيحية مثل عيد ذكرى الأموات أو يوم أحد الموتى، الذي يُعرف أيضًا باسم أحد الخلود. في تلك الأيام، يزور الناس المقابر ويضعون أضواء على القبور. ومع ذلك، فإن تذكر الأموات مسألة موجودة في جميع الثقافات، بغض النظر عن كيفية احتفالهم بها.
الكاتبة: سوزانه كوردس
نقله للعربية: محمد المزياني