إيرانيات يحضرن ديربي طهران… خطوة "متقدمة" ولكن!
للمرة الأولى منذ الثورة الإيرانية قبل 44 عاماً، سُمح للإيرانيات بحضور ديربي العاصمة بين فريق استقلال طهران وبيرسبوليس الخميس (14 ديسمبر / كانون الأول).
وأشاد رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، جياني إنفانتينو، بدخول 3000 مشجعة إيرانية ملعب آزادي لمشاهدة ديربي طهران والتي انتهت بالتعادل الإيجابي 1 – 1، قائلاً في منشور عبر حسابه على موقع إنستغرام: “بفضل الحوار المستمر بين الفيفا واتحاد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لكرة القدم، تم إحراز تقدم”.
ورغم ذلك، قالت الناشطة الإيرانية مريم شجاعي التي أسست حركة (Noban4Women#) وتعني بالعربية “لا حظر للنساء”، إن الأمر بعيداً كل البعد أن يُوصف بكونه انتصاراً كما أشاد به رئيس الفيفا وأخرون.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قالت مريم “نعم، هذه هي المرة الأولى منذ الثورة حيث تتمكن النساء من مشاهدة مباراة الديربي في الملعب، لكن الشيء الأكثر أهمية يتمثل في أن اتحاد كرة القدم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا يريد رفع الحظر بشكل كامل”. وأضافت “رغم أن الاتحاد وعد الفيفا وغيره بالسماح للنساء بحضور مباريات كرة القدم بحرية، إلا أنه لا يريد قبول الهزيمة”. وأخذت الناشطة على الاتحاد منحه 3000 تذكرة للسيداات فقط في ملعب يتسع لأكثر من 78000 متفرج”.
ليس انتصاراً
في المقابل، عبرت إيرانيات حضرن ديربي طهران عن ارتياحهن بمرور الحدث بسلاسة، خاصة وأن ما وقع في مارس/آذار عام 2022 مازال عالقاً في الأذهان. فخلال مباراة ضمن التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم دارت في مدينة مشهد الإيرانية بين إيران ولبنان عام 2022، منعت إيران النساء من دخول الملعب. وأظهرت لقطات مصورة تعرض إيرانيات خارج الملعب للضرب من قبل رجال الأمن.
ورغم الترحيب بحضور النساء في ديربي طهران، إلا أن البعض انتقد إجبار الإيرانيات على دخول الملعب عبر بوابة منفصلة عن الرجال والجلوس في مكان معزول. وقالت مريم شجاعي “أنا لا أعتبر ذلك انتصاراً. بالطبع كان مؤثرا رؤية سيدة عجوز تغطي جسدها بعلم فريقها المفضل بعد عقود من المنع. لكننا نريد رؤية هنا ما يحدث في جميع أنحاء العالم، حتى في الدول العربية المسلمة الأخرى مثل السعودية، حيث تباع تذاكر المباريات للنساء والرجال على قدم المساواة”. وأضافت “تخيل في ملعب آزادي يتعين على الفتاة الإيرانية أن تجلس في مكان منفصل عن والدها”.
حلو ومر
ورغم نجاح الحملات التي قادتها مريم وغيرها من الناشطات الإيرانيات قبل ثلاثة أشهر فقط، إلا أنها تؤكد استمرارها في النضال من أجل دفع الفيفا إلى تطبيق قواعده في إيران.
الجدير بالذكر أنه في عام 2019، دعا الفيفا السلطات الإيرانية إلى السماح للنساء بدخول الملاعب، لكن الرد الإيراني جاء بفرض المزيد على القيود ومنع الإيرانيات من حضور المباريات.
وفي تعليقها، قالت مريم “بالنسبة لي شخصياً، الأمر لا يتعلق بالرياضة فحسب، وإنما يتعلق بالدفاع عن حقوقي. السماح بدخول النساء ملعب آزادي مثل لي تجربة كان لها حلوها ومرها إذ تذكرت جينا مهسا أميني وسحر خداياري، المعروفة باسم “الفتاة الزرقاء” التي أشعلت النار في نفسها أمام محكمة في طهران…كل هؤلاء النساء لم يستطعن الحضور خاصة خداياري التي كانت تشجع أحد الفرق بحماس”.
وأضافت “لقد دفعت إيرانيات الثمن. تعيش فتاة إيرانية في المنفى في تركيا فقط لأنها حاولت الذهاب إلى الملعب عدة مرات. واضطرت إلى مغادرة البلاد وكأنها قد ارتكبت جريمة.. أنا سعيدة بما حدث في ملعب آزادي، لكن في الوقت نفسه، لا أستطيع نسيان الوقت والجهد الذين بذلا للوصول إلى السماح بحضور ذلك العدد الصغير من النساء في مباراة الديربي”.
بعض التغيير
وأثارت وفاة الشابة الكردية جينا مهسا أميني (22 عاماً) العام الماضي تظاهرات ضخمة استمرت عدة أشهر تحت شعار “امرأة حياة حرية” ضد الحكومة والسلطات الدينية في إيران. وأسفر قمعها عن مئات القتلى وآلاف الاعتقالات.
و استمرت موجة الاحتجاجات في عدة أشكال حيث لم تنحصر بمطلب إلغاء الزامية الحجاب بل كانت مظاهرات مطلبية تدعو إلى مكافحة الفساد وتندد بتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد في أحد أكبر التحديات التي واجهتها السلطات الإيرانية منذ الثورة الإسلامية في عام 1979.
ورغم بعض التراجع الدولي مؤخراً في تسليط الضوء على وضع النساء في إيران، إلا أن مريم شجاعي تؤكد أن الإيرانيات يواصلن المضي قدماً في حراكهن السلمي النشط.
وأشادت بصورة فتاة إيرانية ظهرت ترتدي بنطالاً رياضياً وسترة وقبعة، فيما كان الكثير من شعرها ظاهرا خلال حضورها مباراة ديربي طهران. وفي ذلك، قالت “الفتيات الإيرانيات لسن ناشطات، أنهن مشجعات لكرة القدم، يظهرن خارج الملاعب في كل مباراة”، مشيرة إلى أن النضال ضد الحظر المفروض الإيرانيات لحضور مباريات كرة القدم ليس سوى مجرد جزء من نضال مدني واسع النطاق.
وفيما يتعلق بالحجاب الإلزامي، قالت مريم شجاعي إن الحكومة ليست على استعداد للتراجع خوفاً من أن يفتح ذلك الباب أمام مطالب نسائية أخرى. وقالت “إذا سار أي شخص في شوارع إيران، فإنه سوف يرصد بعينيه وجود مقاومة (لهذا الحظر)؛ إذ هناك ملايين الإيرانيات في كل ركن من أركان إيران لم يعدن يغطين شعرهن وهذا ما يمثل لي أبهج اللحظات”. وأضافت “أعاصر كتابة التاريخ أمام عيني. رؤية هؤلاء الشابات يمنحني الكثير من الطاقة ويجعلني فخورة بكوني امرأة إيرانية”.
أعده للعربية: محمد فرحان