شهر على اختفاء قارب مهاجرين قبالة سواحل لبنان
بصوت مرتجف، روت الجيداء ما حدث مع نجليها اللذين كانا على متن القارب المختفي قبل شهر. تقول الأم في اتصال مع مهاجرنيوز “توجهت من سوريا إلى لبنان لتوديعهما يوم مغادرتهما. أنا أرملة منذ 14 عاماً، وأبنائي، محمد (21 عاماً) وعبد الرحمن (20 عاماً) كانا سندي الوحيد بعد موت والدهما. بدءا بالعمل بعمر الـ13 عاماً لمواجهة الفقر، ومنذ اختفائهما، نعيش كارثة أنا وإخواتهم. ماذا سيحدث لنا من دونهما؟ أصلّي صباح مساء للعثور عليهما”.
وقبل شهر من الآن، غادر قارب مهاجرين سواحل لبنان متجهاً إلى قبرص، وعلى متنه 84 مهاجراً، معظمهم سوريون ومن بينهم أكثر من 30 قاصراً، بحسب صحيفة “لوريان لو جور” اللبنانية، التي أكدت فقدان المهاجرين.
وتعتبر السواحل اللبنانية نقطة انطلاق لقوارب المهاجرين باتجاه جزيرة قبرص، التي أضحت وجهة جاذبة للفارين من الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في لبنان وسوريا، وباتت بوابة عبور إلى أوروبا في ظل قلّة خيارات “الهجرة الآمنة”، لا سيما وأنها تبعد أقل من 200 كيلومتر عن سواحل طرابلس اللبنانية وطرطوس السورية.
إشاعات ومعلومات متضاربة
ووفقا للصحيفة اللبنانية، فإن قبطان السفينة التي أبحرت من لبنان في 12 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، هو الشخص الوحيد الذي تمكن من الاتصال بأسرته، في 3 كانون الثاني/يناير الجاري، وأبلغها أنه محتجز في قبرص.
وكانت قد أعلنت منظمة هاتف الإنذار، في 19 كانون الأول/ديسمبر، أن السلطات القبرصية واللبنانية لا تعطيان معلومات واضحة عن مصير المهاجرين المفقودين، منوهة إلى وجود عدة إشاعات حول تعرضهم للاعتقال في قبرص، أو الترحيل إلى لبنان، أو ضياعهم في البحر.
وقال المحامي والناشط محمد صبلوح، الذي أوكله أهالي المهاجرين لمتابعة القضية، إن الأنباء متضاربة والغموض يحيط مصير هؤلاء المهاجرين، مؤكداً أنه تواصل مع السلطات اللبنانية وأنه يتابع معها إمكانية البحث عن المهاجرين ومعرفة مصيرهم. وأردف في اتصال مع مهاجرنيوز “كل يوم تردنا معلومات مختلفة، بعض الناس رأوا القارب قبالة قبرص، أشخاص آخرون قالوا إن المهاجرين في قاعدة بحرية بريطانية في الجزيرة، وغيرها، لكن كل هذه المعلومات غير أكيدة”.
ومن جانبها، قالت كورينا دروسيوتو المنسقة في جمعية “مجلس اللاجئين في قبرص”، “ليست لدينا معلومات عن هذا القارب، وللأسف لا يبدو أن أحدا لديه أي معلومات على جانبي الجزيرة (اليوناني والتركي). ولا توجد مؤشرات على أنهم وصلوا إلى قبرص على الإطلاق. لقد تواصل معنا أقارب المهاجرين، ولا أحد لديه أي معلومات. كما لا توجد معلومات من لبنان أيضا. إذا تم القبض عليهم في مكان ما على الجزيرة، فأعتقد أن المعلومات كانت ستصل إلينا في نهاية المطاف. خاصة وأننا لم نشهد مطلقا أي حوادث قامت فيها السلطات باعتقال الأشخاص وإخفائهم، ولم يكن هناك سبب للقيام بذلك في هذه الحالة مع وجود نساء وأطفال، لا سيما وأن عددهم كبير ومن السهل ملاحظة وجودهم في الجزيرة”.
هل تم اختطافهم من قبل مهربين؟ هل تم اعتقالهم؟ لا نعلم
تواصل فريق مهاجرنيوز مع أقارب بعض المهاجرين الذين كانوا على متن القارب، والذين أفادوا بأن المبلغ الذي طلبه المهربون تراوح بين 3000 و3700 يورو مقابل كل شخص. حيث تم وضع المبلغ لدى مكاتب مخصصة لذلك، على أن يتم سحب المبلغ عند وصول المهاجرين إلى وجهتهم.
بمجرد انطلاق القارب من السواحل اللبنانية، فقد محمد، وهو سوري، الاتصال مع ابنه ذي الـ15 عاماً والذي كان على متن القارب. يقول الأب “أرسل لي مقطعاً صوتياً من هاتف أحد المهاجرين الآخرين في تمام الساعة الثانية وسبع دقائق، قال لي إنهم انطلقوا في البحر”، ومنذ ذلك الحين، لم يسمع محمد أي أخبار عن ابنه.
يضيف “أحياناً يقال لنا إنهم عثروا على مخدرات، وعلى أشخاص مطلوبين للإنتربول، لكن لا شيء مؤكد”.
وأشار محمد إلى أن أحد مقاطع الفيديو التي استقبلها الأهالي، وصلت الساعة السابعة صباحاً، أي بعد حوالي خمس ساعات من انطلاق المهاجرين. واستطرد “هذا يعني أنهم كانوا بالقرب من أحد السواحل، هذا هو التفسير الوحيد لالتقاط إرسال الهاتف المحمول وتحميل مقطع الفيديو، لكن أي ساحل؟ هل تاهوا في البحر وانتهى بهم المطاف في سوريا؟ أو في لبنان؟ هل تم اختطافهم من قبل مهربين؟ هل تم اعتقالهم؟ لا نعلم، ولم ترد أي أخبار عن حوادث غرق في المنطقة في تلك الفترة”.
وشارك أهالي المهاجرين مع مهاجرنيوز صورا ومقاطع فيديو أرسلها أبناؤهم قبل اختفائهم، تظهر القارب والمهاجرين على متنه. وفي ظل غياب “دعم مناسب” من قبل السلطات، أنشأ أهالي المهاجرين مجموعة على تطبيق واتساب، ووثقوا أسماء 76 مهاجراً من أصل 85 كانوا على متن القارب.
أما أدهم، وهو سوري مقيم في تركيا، فينتظر سماع أي أخبار موثوقة عن مصير أخيه وخاله اللذين صعدا على متن القارب. يقول “أخي وضعني أمام الأمر الواقع، غادر سوريا باتجاه لبنان، وطلب مني إرسال المال حتى يصعد على متن ذلك القارب. أما خالي فباع بيته في سوريا واشترى بيتا أصغر، حتى يوفر المبلغ المطلوب”.
وتابع “قال لنا المهربون إن القارب المعني كان واحداً من أربعة قوارب غادرت سواحل لبنان في تلك الليلة، وأن جميعها وصلت إلى قبرص بسلام. وقالوا لنا أيضاً إن السلطات القبرصية عثرت على مخدرات (حشيش) على متن هذا القارب، ولذلك تم احتجازهم ومن فيه من مهاجرين للتحقيق معهم، ولم يتم نقلهم إلى مركز بورنارا كباقي المهاجرين الذين كانوا على متن القوارب الثلاثة الأخرى”. قبل أن يستدرك “لكن هل من المنطقي احتجازهم لشهر كامل تحت التحقيق ودون إعطائهم الفرصة للتواصل مع عائلاتهم؟ ودون ورود أي معلومات عنهم من قبل السلطات اللبنانية والقبرصية؟”.
وعند سؤاله عن حالهم بعد شهر من انعدام الأخبار، تنهد أدهم وأجاب “نعيش في حالة من التوتر والترقب منذ شهر كامل، نكذب على بعضنا البعض أحياناً لنقنع أنفسنا بوجود أي أمل في العثور عليهم، ونحاول تجنب أي احتمالات لوقوع الأسوأ وغرقهم”.
مهاجر نيوز 2024