ما عواقب صدور مذكرة اعتقال دولية بحق نتنياهو؟
بالتأكيد تتابع الحكومة الإسرائيلية المجريات في لاهاي بقلق. فالمدينة الهولندية هي مقر المحكمة الجنائية الدولية، التي تقدم المدعي العام فيها كريم خان بطلب استصدار مذكرة اعتقال من المحكمة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت. وذلك على خلفية احتمال وقوع جرائم حرب وجرائم ضد البشرية تحت طائلة مسؤوليتهما.
كما تقدم خان بطلب استصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار ونائبه محمد ضيف وبحق اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على خلفية هجوم السابع من أكتوبر الإرهابي.
ما الإجراءات التي يمكن أن تتخذها المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو؟
المحكمة الجنائية الدولية تحقق مع الأفراد فقط. ولا يتم اتخاذ إجراء إلا إذا كان الشخص مشتبهًا في أنه قد يكون مسؤولاً عن إحدى الجرائم الأساسية الأربع وهي: الإبادة الجماعية، جرائم الحرب الخطيرة، الجرائم ضد الإنسانية، أو الحرب العدوانية.
في الواقع، تحقق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب مشتبه بها ضد مسؤولين محتملين في إسرائيل منذ عام 2021. ومع ذلك، تقول المحكمة الجنائية إنها تحقق أيضًا في التهم نفسها مع مقاتلي حماس. ولا تزال التحقيقات جارية أيضًا في أعمال العنف التي يشبته بارتكابها من قبل مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية. وينبغي أيضاً أخذ التطورات الأخيرة في الحرب بين إسرائيل وحماس في عين الاعتبار. بدأ الأمر بعد أن قتلت حركة حماس الإسلاموية المتشددة المصنفة من قبل ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية، حوالي 1200 شخص في إسرائيل في هجوم إرهابي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخطفت أكثر من 240 رهينة إلى قطاع غزة.
وأدت العمليات العسكرية الإسرائيلية ردًا على الهجوم إلى مقتل أكثر من 35.500 شخص في قطاع غزة، وفق السلطات الصحية التابعة لحماس. ولا يمكن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل.
متى يمكن للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق؟
من حيث المبدأ، لا يجوز للمحكمة الجنائية الدولية أن تتخذ إجراءات إلا إذا كانت الدول غير قادرة أو غير راغبة في المحاكمة على الجرائم المذكورة أعلاه أمام المحاكم الوطنية. ومن غير المرجح حالياً أن ترفع المحاكم الإسرائيلية دعاوى جنائية ضد رئيس الحكومة أو وزرائه أو قادة الجيش، لأسباب ليس أقلها الحرب المستمرة. بالإضافة إلى ذلك، على الدولة التي ينتمي إليها المشتبه فيه بارتكاب الجريمة، أن تكون طرقا في المحكمة الجنائية وتعترف بسلطتها، و- هذا لا ينطبق على إسرائيل – أو يجب أن ينطبق ذلك على الدولة التي ارتكبت فيها الجرائم المزعومة. وقد يكون لهذا دوره هنا لأن الأراضي الفلسطينية انضمت إلى معاهدة المحكمة الجنائية الدولية.
وإلى جانب إسرائيل، فإن الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والهند وجميع الدول العربية تقريباً وإيران لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية. وفي حال لم تكن أي من المناطق المتضررة طرفاً متعاقداً في المحكمة الجنائية الدولية، فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وحده، الذي يمكنه أن يأمر المحكمة بالقيام بذلك عن طريق إصدار قرار بذلك. وقد كان هذا هو الحال، على سبيل المثال، في حالة السودان وليبيا.
ما العواقب التي قد تترتب على صدور مذكرة اعتقال دولية بحق نتنياهو؟
مذكرة الاعتقال لم تصدر بعد وإنما طُلب استصدارها وحتى إن صدرت فهي ليست حكما. ولكن دلالة على أن المحكمة الجنائية الدولية تأخذ الادعاءات ضد شخص مشتبه به على محمل الجد بما يكفي للتحقيق فيها. ووفق موقعها على الإنترنت، لا تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال إلا إذا رأى القضاة أنه من الضروري أن يمثل الشخص المعني أمام المحكمة، لأن هذا إجراء ضروري من إجراءات المحكمة الجنائية الدولية. وقد تكون الأسباب الأخرى هي خوف القضاة من أن يقوم المتهم بعرقلة الإجراءات أو ارتكاب المزيد من الجرائم.
ولما كانت المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك قوة شرطة خاصة بها لتعقب واعتقال المشتبه بهم، فمن غير المرجح أن يمثل أعضاء الحكومة الإسرائيلية أمام المحكمة في لاهاي.
لكن مذكرة الاعتقال ـ في حالة صدورها ـ من شأنها تقييد حرية التنقل الدولية لنتنياهو ووزير الدفاع غالانت، هذا يسري أيضا على قادة حماس. فجميع الأطراف المتعاقدة في المحكمة الجنائية الدولية، وعددها 124، ملزمة باعتقال الأشخاص المطلوبين على أراضيها وتسليمهم إلى المحكمة. على سبيل المثال، ابتعد فلاديمير بوتين عن معظم الاجتماعات الدولية منذ أن أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحقه بتهمة اختطاف أطفال أوكرانيين ونقلهم إلى روسيا. يسافر الرئيس الروسي فقط للدول التي ليست عضواً بالمحكمة الجنائية الدولية ولا تعترف بسلطتها.
ما علاقة مذكرة الاعتقال المحتملة بتهم الإبادة الجماعية الموجهة ضد إسرائيل؟
لا ينبغي الخلط بين تحقيق المحكمة الجنائية الدولية واتهامات بـ الإبادة الجماعية التي وجهتها بعض الدول لإسرائيل. وقد رفعت جنوب أفريقيا، من بين دول أخرى، دعوى قضائية ضد دولة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بسبب سقوط قتلى حرب كثيرين في قطاع غزة. ومحكمة العدل الدولية موجودة أيضاً في لاهاي، لكنها لا تحقق مع الأفراد أو تصدر أوامر اعتقال بحقهم. ولكنها مسؤولة بشكل حصري عن النزاعات بين الدول. وفي نهاية يناير/ كانون الثاني من هذا العام، أقرت محكمة العدل الدولية “بخطر الإبادة الجماعية في قطاع غزة” . ومع ذلك، لم تتم الاستجابة لطلب جنوب أفريقيا العاجل بأن توقف إسرائيل جميع الأعمال العدائية في القطاع. وبعد هذا القرار الأولي، من المرجح أن تستمر إجراءات الخاصة بتهمة الإبادة الجماعية المزعومة لأشهر أو سنوات.
جانيت كوينك
أعدته للعربية: إيمان ملوك – و.ال