"إيرث كير" مهمة أوروبية لدراسة السحب وفهم ظاهرة احترار الأرض
في مركز التحكم في دارمشتات بوسط ألمانيا، جلس موظفو وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) أمام شاشاتهم وهم في حالة تركيز شديد. فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، كانوا يتدربون على إطلاق مهمة “إيرث كير” (EarthCARE) ويستعرضون جميع الأعطال الممكنة التي قد تحدث بعد إطلاق القمر الاصطناعي الذي يبلغ طوله حوالي 17 مترًا وعرضه 2.5 مترًا وارتفاعه 3.5 مترًا.
ينبغي ألا يحدث أي خطأ، لأن الأمر يتعلق بمستقبل أبحاث الطقس والمناخ: “البيانات التي سنجمعها يمكن استخدامها لتحسين توقعات الأحوال الجوية”، كما يقول نيكولاوس هانوفسكي من إدارة مراقبة الأرض والبيئة التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية. لأنه لا يزال هناك الكثير من الألغاز، على سبيل المثال التأثير الدقيق للسحب على تغير المناخ.
أهمية دراسة السحب
وكان دومينيك جيّيرون، رئيس قسم مشاريع مراقبة الأرض في وكالة الفضاء الأوروبية، قد قال لوكالة فرانس برس “تُعد (السحب) من العناصر الرئيسية المساهِمة في طريقة تغير المناخ، ومن أقلها فهما”.
والسحب هي ظاهرة متنوعة ومعقدة، ويعتمد تركيبها على مكان وجودها في طبقة التروبوسفير، وهي الطبقة الأدنى من الغلاف الجوي للأرض، وفق جيّيرون.
تبدأ طبقة التروبوسفير على ارتفاع نحو ثمانية كيلومترات فوق المناطق القطبية، لكن قرب خط الاستواء، تبدأ على ارتفاع نحو 18 كيلومترا. وهذا يعني أن السحب تؤثر على المناخ بشكل مختلف بحسب ارتفاعها وموقعها على خطوط العرض.
على سبيل المثال، تكون السحب الركامية البيضاء الفاتحة والتي تتكون من قطرات ماء، منخفضة جدا وتعمل مثل مظلة، ما يعيد عكس إشعاع الشمس إلى الفضاء ويبرد الغلاف الجوي.
أما السحب الرقيقة المكونة من بلورات جليد فتسمح للإشعاع الشمسي بالمرور عبرها ما يسبب رفع درجة حرارة الكوكب.
وقال جيّيرون إن السحب الرقيقة تحبس الحرارة مثل “البطانية”. وبالتالي، أصبح فهم طبيعة السحب أمرا مهما للغاية، وفق سيمونيتا تشيلي، رئيسة برامج مراقبة الأرض التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية.
وسيصبح “إيرث كير” أول قمر اصطناعي لقياس التوزيع الرأسي والأفقي للسحب، كما أوضحت في مؤتمر صحافي.
محاولة فهم سبب احترار كوكب الأرض
وستركزّ أداتان من أدوات القمر الاصطناعي على السحب لاستكشاف أعماقها.
ستستخدم أداة “ليدار” ليزر نبضي لقياس السحب والهباء الجوي، وهي جزيئات صغيرة في الغلاف الجوي مثل الغبار وحبوب اللقاح أو الملوثات المنبعثة من البشر مثل الدخان أو الرماد.
ولفت جيّيرون إلى أن الهباء الجوي هو “بوادر” للسحب.
وسيخترق رادار القمر الاصطناعي السحب لقياس كمية المياه التي تحتويها، كما سيتتبع سرعة تحرك السحب عبر الغلاف الجوي، على غرار الطريقة التي تساعد بها الرادارات الشرطة في رصد السيارات المسرعة. وستقيس الأجهزة الأخرى للقمر الاصطناعي شكل السحب ودرجة حرارتها.
وستساهم كل هذه البيانات في إنشاء أول صورة كاملة عن السحب من منظور قمر اصطناعي.
وينتظر المجتمع العلمي هذه المعلومات بفارغ الصبر حتى يتمكن من تحديث النماذج المناخية التي تقدر مدى سرعة احترار الكوكب، وفق وكالة الفضاء الأوروبية.
وبالتالي فإن كمية الإشعاع الشمسي التي تخترق السحب قد تكون حاسمة لفهم ظاهرةاحترار الأرض الناجمة عن النشاط البشري والتخفيف من تأثيرها.
وتهدف المهمة إلى معرفة “ما إذا كان التأثير الحالي للسحب، وهو تبريد في الوقت الحالي، سيصبح أقوى أو سيتراجع”. وقالت تشيلي “سيطلق برنامج إيرث كير في وقت أكثر أهمية مما كان عليه عندما تم تصوّره في العام 2004”.
“ألمانيا مركز عالمي مهم لأبحاث الطقس والمناخ”
وقبل انطلاق القمر الاصطناعي “إيرث كير” من قاعدة فاندرنبرغ في ولاية كاليفورنيا الأمريكية بصاروخ “فالكون 9” التابع لشركة “سبايس إكس” يوم الثلاثاء (28 مايو/ أيار) بالتوقيت المحلي للولايات المتحدة ويقابله بعد منتصف ليل الأربعاء بقليل بتوقيت وسط أوروبا، أشارت التقديرات إلى أن المهمة كلفت وكالة الفضاء الأوروبية عدة مئات الملايين من اليورو حتى الآن.
وسيدور القمر الاصطناعي الذي يبلغ وزنه طنين على ارتفاع نحو 400 كيلومتر فوق الأرض لمدة ثلاث سنوات، ما من شأنه إعطاء صورة كاملة عن السحب، في مهمة كانت نتيجة تعاون بين وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء اليابانية “جاكسا”.
وتتم مراقبة “إيرث كير” من مركز التحكم التابع لوكالة الفضاء الأوروبية في دارمشتات. وهذا يعني أن ألمانيا ستظل مركزًا مهمًا عالميًا لأبحاث الطقس والمناخ خلال السنوات المقبلة، كما يقول سيمون بلوم، رئيس مركز التحكم التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
ص.ش/ع.غ (ايه آر دي، أ ف ب)