صانعات الأفلام "العربيات".. أحكام نمطية مسبقة أيضا في الغرب!


 

في مهرجان مراكش الدولي للفيلم أستغلت صانعات أفلام عربيات ومن دول عربية، الفرصة لعرض أفلامهن في المهرجان، الذي يعد من أشهر المهرجانات في المنطقة خاصة الأفلام التي تتناول المساواة بين الجنسين، حيث يقول النقاد إن أداء صانعات الأفلام من الدول العربية ربما أفضل من نظيراتهن ونظرائهن في الدول الغربية .

ومثل المهرجان في نسخته العشرين فرصة لمخرجات عربيات أو من دول عربية للاحتفاء بأفلامهن.

وانطلقت الدورة العشرون للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني بمشاركة 75 فيلما من 36 دولة واستمر حتى الثاني من ديسمبر/ كانون الأول.

وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قالت المخرجة التونسية-الفرنسية سونيا بن سلامة “ليس من قبيل الصدفة أن يكون هناك المزيد والمزيد من المخرجات في المنطقة، لأن القصص النسائية ظلت لسنوات طويلة يسردها ويرويها الرجال، لذا كانت هناك حاجة ماسة إلى أن نروي نحن النساء قصصنا ونستعيد أصواتنا في السينما.”

ويعد الفيلم الوثائقي “ماشطات”، الذي أخرجته سونيا وعرض في  مهرجان مراكش ، مثالا على ذلك، حيث سُردت قصة ثلاث نساء يمارسن الموسيقى التقليدية الحاضرة بقوة في الأعراس الشعبية في تونس.

ووفر الفيلم نظرة ثاقبة حول حياة النسوة الثلاث وحياتهن المهنية والشخصية المضطربة.

تشجيع الأفلام النسائية العربية

لكن في المقابل، يقول النقاد إن هناك عوامل عدة تجعل  المخرجاتالعربيات والمخرجات من الدول العربية، أكثر ظهورا ونجاحا في الوقت نفسه.

جرى اختيار الممثلة الأمريكية جيسيكا شاستين، الحائزة على جائزة الأوسكار، لترأس لجنة تحكيم لمهرجان مراكشصورة من: Marechal Aurore/ABACA/picture alliance

فعلى سبيل المثال، تنفق منصة “نتفليكس” الكثير على إنتاج الأفلام التي تنطق بلغة الضاد لمخاطبة الجمهور العربي، وتدعم المنصة بشكل خاص النساء ماليا ولوجستيا، فضلا عن عرض أفلامهن خاصة مع تسارع عدد المشتركين في المنصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أرتفع من حوالي 5 ملايين عام 2017 إلى 21 مليون عام 2022.

وفي السياق ذاته، تدخل  الأفلام العربية  في المنافسات الرئيسية في كبرى المهرجانات السينمائية في العالم مثل  مهرجان كان ، وكهرجان فينيسيا (البندقية) ومهرجان برلين، فيما تزايدت وتيرة الأفلام العربية التي تنتج بالاشتراك مع صناع الأفلام في أوروبا.

ويُضاف إلى ذلك تكريس العديد من مهرجانات الأفلام في الشرق الأوسط ومنصات الإنتاج المحلية الكثير من الجهد لتحقيق المساواة إذ جرى إنتاج العديد من الأفلام النسائية.

الجدير بالذكر أن مهرجان القاهرة السينمائي أصبح أول مهرجان سينمائي عربي يوقع على ميثاق دولي للمساواة بين الجنسين والذي يُعرف اختصارا بـ “5050” وذلك عام 2019، فيما تخصص مؤسسة الدوحة للأفلام بانتظام ما يقرب من نصف المنح الإنتاجية للنساء.

وفي الدورة السادسة لـ “ورشات الأطلس” مهرجان مراكش، شاركت 11 مخرجة سينمائية بينهن 4 مغربيات، فضلا عن 12 منتجة.

وقد أدت كل هذه العوامل إلى زيادة الأفلام  التي تقف وراءها المرأة سواءً أكانت مخرجة أو ممثلة أو منتجة فيما نجم عن ذلك تدفق كبير للأفلام النسائية مقارنة بالماضي.

وفي ذلك، أشارت فاطمة حسن الرميحي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدوحة للأفلام، في مقال لمركز ويلسون البحثي ومقره واشنطن، إلى أن “26% من صُناع الأفلام العربية المستقلة من النساء، مقارنة بـ 4% في الدول الغربية”، مضيفة “تشكل المخرجات في المغرب وتونس ولبنان حوالي 25% من إجمالي المخرجين الجدد. أما في قطر، فإن ما يقرب من 60% من صُناع الأفلام الجديدة هم من النساء”.

يشار إلى أن فيلم “كفرناحوم” والذي رُشح للفوز بجائزة الأوسكار لعام 2019 عن فئة الفيلم الأجنبي، يعد الفيلم العربي  الأعلى ربحا فيما تقف وراءه المخرجة اللبنانية نادين لبكي.

وكان الفيلم قد فاز بجائزة التحكيم في مهرجان “كان” عام 2018.

المخرجة التونسية-الفرنسية سونيا بن سلامة ترغب في كسر الصورة النمطية لأفلام النسائية العربيةصورة من: Sonia Ben Slama /Marrakech Film Festival

أحكام نمطية مسبقة

ورغم النجاح الذي حققته النساء العربيات والنساء من الدول العربية في مجال السينما، إلا أن هذا لا ينفي أن صانعات الأفلام في الدوال العربية   تواجه أفلامهن بعض الأحكام النمطية المسبقة، وينطبق ذلك إلى حد كبير على الأفلام العربية عموما أيضا. 

ففي مقال، قال الناقد السينمائي والمبرمج المصري جوزيف فهيم، إنه على مدى العقدين الماضيين، “كانت الأفلام العربية الأكثر نجاحا تجاريا في أوروبا يغلب عليها سرد قصص الإرهاب والفقر واضطهاد النساء؛ أي الأفلام التي تتوافق مع تصورات المشاهد الغربي عن العالم العربي”.

وفي هذا السياق، تلفت المخرجة التونسية سونيا بن سلامة الانتباه إلى أنه عندما جرى عرض فيلمها “ماشطات” للجمهور، فقد أحدث حالة استغراب بسبب الطريقة التي صور بها المرأة.

وفي ذلك، قالت “شعرت أنهم ينتظرون أن ينحصر دور المرأة في أدوار الأمهات الصالحات أو ضحايا، وغيرها من الصور النمطية الأخرى. ربما لم يتفاعلوا بالطريقة التي كنا نتوقعها. وهذا مهم لأنه يعكس تصورهم”. وأضافت أنه لا يهم هل القصة مرتبطة بتونس أو أوروبا، قائلة: “الجميع يتفاعل مع بعضه البعض”.

القصص الجيدة تصل للعالمية

واتفقت في هذا الرأي المخرجة الفرنسية-المغربية صوفيا العلوي، قائلة: “الأمر يتعلق بإنتاج أفلام ذات جاذبية للعالمية”.

وعرض خلال مهرجان مراكش  فيلم أخرجته صوفيا وهو “أنيماليا” الذي يمزج بين الخيال العلمي والفلسفة.

جرى اختيار فيلم “أنيماليا” للمخرجة صوفيا العلوي للمنافسة في المسابقة الرئيسية في مهرجان “ساندانس” السينمائي صورة من: Marechal Aurore/ABACA/picture alliance

وفي تعليقها، قالت صوفيا إن  السينما العربية  “لم تكن مصدر إلهامي”، مضيفة “كانت الأفلام التي أفضلها آسيوية أو دنماركية أو فنلندية. لذا فإن ما أحاول فعله هو تقديم السينما التي أعشقها لكن بطريقة عربية.”

وعلى غرار المخرجة سونيا بن سلامة، واجهت صوفيا مشكلة تتعلق بالأحكام المسبقةوفي ذلك، قالت “البعض انتقد الفيلم لأنه لم يركز على المشهد المغربي أو سكان القرى كما كانت أفلامها القصيرة السابقة. الأمر يبدو وكأن بعض قطاعات من الجمهور خاصة من يعيشون في أوروبا تفضل مشاهدة النسخة الغربية للعرب على الشاشة الكبيرة.”

من جانبها، شددت تانيا الخوري، منتجة فيلم “ماشطات”، على أن هذا الأمر يمثل مشكلة، قائلة “تحقق الأفلام العربية نجاحا جيدا في دور السينما أو في المهرجانات، لكن من الصعب توزيعها على نطاق كبير خاصة إذا كانت تتناول قضية تزعج الجمهور العربي أو تمثل مفاجأة للجمهور الأوروبي. وفي هذه الحالة، قد تتوقف عجلة نجاح الفيلم“.

وقالت “رأيت مخرجات يتعرضن لانتقادات من الجمهور الأوروبي لأن بطلات أفلامهن نساء مستقلات ويعيشن بحرية ما يعني أنهن يختلفن عما يتوقعه الجمهور من صناع السينما من الشرق الأوسط“.

بدورها، قالت المخرجة السينمائية المغربية أسماء المدير إن “السينما المغربية باتت أكثر ديناميكية وتروي قصصا محلية”، مضيفة “لدينا صداقات (مع صناع السينما الغربية)، لكننا مختلفون ولدينا طريقة عمل مختلفة لذا يجب قبول ذلك“.

صورة مع عائلة المخرجة المغربية أسماء المدير بعض عرض فيلمها الوثائقي “كذب أبيض” في مهرجان مراكشصورة من: Pascal Le Segretain/Getty Images

وخلال مهرجان مراكش، عُرض فيلم “كذب أبيض” الذي أخرجته أسماء المدير، حيث لاقى ترحيبا خاصة وأن الفيلم قد رُشح لجائزة الأوسكار  عن فئة “الفيلم الأجنبي”. 

من جانبها، قالت المخرجة الفرنسية-المغربية صوفيا العلوي إنها تشعر في بعض الأحيان “أن صناعة السينما الأوروبية  ترغب في لعب دور الوصي وكأنهم يقولون هناك مهرجان سينمائي يُنظم في الشرق الأوسط، لذا يتوقع سرد قصص عن التحرر”.

وأضافت “أجد ذلك بالأمر الممل، لأنه في منطقنا يتم إنتاج أفلام كثيرة وهناك الكثير من الخيارات والكثير من المخرجين والمخرجات، لذا يتعين على العالم أن يقبل أننا أكثر تنوعا عما يعتقده“.

في الأخير تجدر الإشارة أيضا إلى أن صانعات أفلام كثيرات من الدول العربية حصلن على تشجيع ودعم وتمويل من حكومات ومؤسسات ثقافية غربية، وأفسحت مهرجانات دولية لهن، مثل مهرجان برلين الدولي “البرلينالة”، المجال لعرض أفلامهن، بعض تلك الأفلام كان غير مسموح بعرضه في بلدانهن الأصلية.

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
Comments (0)
Add Comment