حمل وباء كورونا الكثير من المفاجأت التي أثارت الكثير من الحيرة في الاقتصاد العالمي، فيما تربع على عرش المفاجآت تزايد شعبية “الرموز غير القابلة للاستبدال” والمعروفة باسم NFTs عام 2021.
قبل ذلك، لم يكن كثيرون يعرفون ما هي “الرموز غير القابلة للاستبدال”، بيد أنه مع بدء تفشي الجائحة جرى إنفاق أكثر من 40 مليار دولار (36.6 مليار يورو) على الأصول الرقمية والأعمال الفنية المسجلة باستخدام تقنية “البلوكتشين”. وعلى وقع ذلك، أضحى قطاع “الرموز غير القابلة للاستبدال” ذا قيمة تتساوى مع سوق الفن العالمي التقليدي.
لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فإذا كان 2021 هو عام الازدهار بالنسبة لسوق “الرموز غير القابلة للاستبدال”، فإن 2022 كان بمثابة عام الركود. إذ حققت السوق في يناير/ كانون الثاني العام الماضي ارتفاعا مذهلا، لكن بحلول سبتمبر/ أيلول من العام ذاته انخفض التداول بنسبة هائلة بلغت 97 بالمئة! وكان انهيار سوق “الرموز غير القابلة للاستبدال” جزءا من خسائر تكبدها سوق العملات المشفرة بلغت تريليوني دولار.
هل انفجرت فقاعة “الرموز غير القابلة للاستبدال”؟
في مطلع فبراير/ شباط العام الجاري، أعلنت منصة “أوبن سي” التي تعد الأكبر في تداول الرموز غير القابلة للاستبدال ، أنها ستسرح نصف عدد الموظفين، لكن وقعت مفاجأة خلال عرض ترويجي في هونغ كونغ خاصة بمنشأة “بورد إيب ياخت كلوب” (Bored Ape Yacht Club) التي تعد أشهر مجموعة فنية للرموز غير القابلة للاستبدال. فقد كان الحدث صاخبا لدرجة أن بعض الحضور أصيب بحروق في العين بسبب كثافة استخدام الأشعة فوق البنفسجية.
وقد يرى كثيرون أن هذا الخبر لا يحمل أي بشارة بنسبة لسوق “الرموز غير القابلة للاستبدال”، لكن هناك علامات أخرى تبشر بحدوث انتعاش متواضع في القطاع الذي تكبد خسائر كبيرة مع ارتفاع أحجام التداول مؤخرا بعد انخفاضها بشكل مطرد طوال العام الجاري.
هوس العملات المشفرة!
عندما بدأت طفرة “الرموز غير القابلة للاستبدال” في صيف عام 2021، كان أندريا باربون واحدا من الأشخاص الذين شرعوا في دراسة هذا القطاع الوليد إذ سرعان ما قام بإنشاء وبيع مجموعته الخاصة التي تتألف من مجموعة من صور كسورية قام بإنشائها بمساعدة الكمبيوتر.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال باربون، الأستاذ في المالية بجامعة سانت غالن في سويسرا، “لقد أثار هذا المشروع في داخلي فضولا وشغفا كبيرا للتعمق أكثر في مجال “الرموز غير القابلة للاستبدال”. وأضاف أن “الانبهار بهذا المزيج بين الفن والتكنولوجيا والتمويل الذي وفره قطاع الرموز غير القابلة للاستبدال، حفزني على دراسة هذا المجال بشكل واسع والسعى إلى الوقوف على تأثيراته المحتملة على مختلف القطاعات، ودوره في مستقبل الملكية الرقمية والإبداع”.
يشار إلى أنه في البداية، رفض كثيرون “الرموز غير القابلة للاستبدال” وعلى رأسهم الملياردير بيل غيتس الذي اعتبر هذا المشروع بمثابة خدعة “قائمة بنسبة 100 بالمائة على نظرية الأحمق الأكبر”، بمعنى أنه يمكن للمرء أن يكسب المال من خلال شراء أصول مبالغ فيها ولا قيمة لها في الأساس، طالما أن هناك “أحمق أكبر” سوف يأتي لشراء هذه الأصول.
وفي مزحة ضمنية موجهة لمنشأة “بورد إيب”، قال غيتس في حدث بولاية كاليفورنيا الأمريكية العام الماضي: إنه من الواضح أن “الصور الرقمية باهظة الثمن لقرود ستحسن العالم بشكل كبير”.
ورغم هذا التشكيك، انطلق قطاع “الرموز غير القابلة للاستبدال” فيما ساهمت عمليات الإغلاق جراء جائحة كورونا في حدوث طفرة في هذا القطاع مع قضاء كثيرين حول العالم ساعات طويلة عبر الإنترنت.
وفي هذا الصدد، قال باربون إن طفرة العملات المشفرة عام 2021 أثارت فضول الكثيرين بشأن قطاع “الرموز غير القابلة للاستبدال” فيما عمدت منصة “أوبن سي” على تسهيل شراء وبيع “الرموز غير القابلة للاستبدال”.
وأضاف باربون “لقد تزايدت جاذبية قطاع “الرموز غير القابلة للاستبدال” بشكل أكبر بسبب كونه مجالا جديدا وواعدا بإيرادات مرتفعة، وتطوره في قطاع العملات المشفرة بأسره. لقد خلق هذا المزيج من الابتكار التكنولوجي وديناميكيات السوق والعوامل الثقافية، عناصر مثالية أدت إلى حدوث طفرة في قطاع “الرموز غير القابلة للاستبدال”.
المزيد من التدقيق
ويعتقد باربون وزميله أنجيلو رانالدو، الباحث في معهد التمويل السويسري، أن قطاع “الرموز غير القابلة للاستبدال” يمثل بيئة خصبة للدراسة. فيما قاما بفحص أكثر من 15 مليون معاملة في هذه السوق الناشئة بقيمة بلغت قرابة 18 مليار دولار، بين يناير/ كانون الثاني عام 2021 وسبتمبر/ أيلول عام 2022. وقد توصل الباحثان إلى نتيجة مفادها أن سوق “الرموز غير القابلة للاستبدال” بأكملها ليست سوى “فقاعة”.
وفي ذلك، قال باربون “لقد لاحظنا وجود ميل جلي للسلوكيات الشبيهة بالفقاعات التي حدثت في سوق الرموز غير القابلة للاستبدال، حيث اتسم الأمر بارتفاعات سريعة في الأسعار وقعت في غضون أيام أو ربما خلال ساعات، ثم أعقب ذلك انخفاضات حادة.”
وأضاف أن “هذه التقلبات وفرت عوائد كبيرة للمستثمرين، لكنها حملت في طياتها مخاطر كبيرة أيضا”، مشيرا إلى أن بعض المستثمرين سعوا إلى الاستفادة في حالة التقلب لجني مبالغ طائلة فيما أتسم آخرون بالتهور. وقال إن “السوق شهدت تقييمات غير حقيقة جراء حماس المضاربين وليس على أساسيات هذه السوق”.
الشكوك لن تتوقف
الجدير بالذكر أن سوق “الرموز غير القابلة للاستبدال” عانى من انهيارات كبيرة في القيمة، إذ فقدت مجموعة “بورد إيب” الاكثر شهرة خاصة بين مشاهير العالم، أكثر من 90 بالمئة من قيمتها بما يصل إلى مليارات الدولارات.
ويقول مراقبون إن تداعيات هوس المشاهير بسوق “الرموز غير القابلة للاستبدال” لم تنته بعد بل لا يزال صدى ذلك مستمرا حتى اليوم.
فقبل أيام، تعرض النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو لدعوى قضائية جماعية بقيمة مليار دولار، لتورطه في الترويج للرموز غير القابلة للاستبدال عبر تطبيق “Binance”، الذي يعد أكبر بورصة عملات مشفرة في العالم.
وفي هذا الإطار، تكبد المطرب العالمي جاستن بيبر ونجم كرة القدم البرازيلي نيمار الكثير من الخسائر، حيث كانا في طليعة المشاهير الذين استثمروا أموالا كثيرة في سوق “الرموز غير القابلة للاستبدال”.
وعلى وقع ذلك، شكك كثيرون حيال مستقبل سوق “الرموز غير القابلة للاستبدال”، لكن باربون يقول إن هذه السوق لا تزال تمتلك مقومات البقاء خاصة إذا عادت إلى أصولها كـ “سوق للفنانين الرقميين”. وأضاف أن هذه السوق ليست “مجرد تقليعة تكنولوجية، لكنها ابتكار رائد له تطبيقات عملية. لقد أحدث هذا القطاع ثورة في سوق الفن الرقمي، حيث توفر للفنانين المعاصرين المتخصصين في الوسائط الرقمية منصة لمصادقة إبداعاتهم وجني مكاسب أيضا. فيما يمكن استخدام هذا المجال خارج إطار الفن في مجال الهوية الرقمية وملكية الأصول الافتراضية”.
أعده للعربية: محمد فرحان