تواجه قوات حفظ السلام الدولية تحديات عديدة لأداء الدور المنوط بها في تعزيز الأمن والاستقرار في دول أفريقية عديدة لا سيما في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. وفي ضوء ذلك، باتت قوات حفظ السلام التي تعمل بموجب توجيهات صارمة، غير قادرة على ضمان الأمن أو تعزيز استقرار الأوضاع المضطربة أو حتى حماية المدنيين. وعلى وقع ذلك، يقول بعض الخبراء إن هذه المعطيات تصعب عمل هذه القوات وتزيد من تحديات نجاحها.
ويبدو أن الانتقادات الأفريقية لا تقتصر على قوات حفظ السلام، وإنما تشمل أيضا البعثات السياسية. فمؤخرا أنهى مجلس الأمن الدولي مهام بعثة الأمم المتحدة السياسية في السودان بناء على طلب الحكومة.
وصوت 14 من أعضاء المجلس الخمسة عشر لصالح القرار الذي دعا إلى الإنهاء “الفوري” لبعثة الأمم المتحدة لدعم عملية الانتقال المعروفة اختصارا بـ “يونيتامس” بينما امتنعت روسيا عن التصويت، فيما قالت الحكومة السودانية إن البعثة الأممية “فشلت في تلبية التوقعات”.
العنف.. التحدي الأكبر
بدوره، يرى أديب ساني، المدير التنفيذي لمركز “جاتيكاي للأمن البشري وجهود السلام”، أن قوات حفظ السلام الدولية المعروفة بـ “أصحاب الخوذ الزرقاء” قد فشلت “باستمرار في التعامل مع دوامة العنف في البلدان التي تتمركز فيها، رغم أن وقف العنف يعد السبب الرئيسي وراء انتشارها في هذه البلدان”.
ويضيف في مقابلة مع المانيا اليوم أن بعض بعثات حفظ السلام مثقلة بالأعباء جراء تزايد وتيرة العنف، موضحا ذلك بقوله: “تعد مالي من الأمثلة الجلية لذلك، إذ لم يتم معالجة الوضع الأمني المتردي الذي يتفاقم يوما بعد يوم، فيما تبدو قوات حفظ السلام عاجزة عن مواجهة ذلك تقريبا”. ويذهب ساني إلى القول بأن الأداء الأخير الضعيف لبعثات الأمم المتحدة في بلدان أفريقية كان مخيبا للآمال.
في المقابل، يلقي خبراء آخرون باللائمة في هذا الفشل على التفويضات التي تحصل عليها قوات حفظ السلام الأممية التي تقيد أنشطتها في البلدان الأفريقية. إذ أنه في بعض الأحيان لا يُنظر إلى مهام قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة باعتبارها أدوات لإنفاذ القانون، حيث لا يُسمح لها باستخدام القوة المميتة إلا في حالة الدفاع عن النفس أو عن المهام المنوطة بها.
ومتحدثا إلى المانيا اليوم، قال فيدل أماكي أوسو، المحلل في منظمة “اتحاد أبحاث الصراعات في أفريقيا”، إنه من الصعب القول بأن جميع بعثات الأمم المتحدة في أفريقيا “فاشلة، لكن طبيعة التفويض الذي تحصل عليه يحد من فعاليتها ونجاعتها في المناطق التي تتمركز فيها”.
ويرى مراقبون أن القيود المفروضة على العمليات التي تقوم بها بعثات السلام الأممية تضعها في بعض الأحيان في موقف حرج، حيث يعتبرها مواطنون بأنها تؤثر سلبا على استقرار الأوضاع المضطربة في بعض البلدان الأفريقية التي تنتشر بها. ففي مالي، احتج بعض السكان في وقت سابق من العام الجاري على تواجد بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، فيما طالبت الحكومة في يونيو/ حزيران الماضي بانسحاب قوات حفظ السلام، وهو ما تحقق بعد أن وضع مجلس الأمن الدولي في الشهر ذاته حدا لمهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام في البلاد والمعروفة بـ (مينوسما).
ونص القرار على إنهاء مهمة البعثة في مالي “اعتبارا من 30 يونيو/ حزيران ” ووقف أنشطة جنود حفظ السلام ابتداء من أول يوليو/ تموز تمهيدا لتنظيم عودة هؤلاء “بحلول 31 ديسمبر / كانون الأول”.
ويعود نشر قوات حفظ السلام الأممية في مالي إلى ما قبل عشر سنوات، إذ كان انتشارها يرمي إلى إنهاء تمرد شنته جماعات جهادية مسلحة في شمال مالي، لكن مؤخرا وعقب الانقلاب اتهمت الحكومة قوات حفظ السلام بتورطها في تصعيد التوترات في هذا البلد الأفريقي.
الحكومات تتحمل المسؤولية أيضا
وقال أوسو إن الحكومات مثل حكومة مالي هي أيضا مسؤولة عن تعرض قوات حفظ السلام الأممية للخطر، مضيفا “في حالة مالي، يمكن أن ندرك أنه في الآونة الأخيرة كانت مهمة الأمم المتحدة بشكل عام محدودة فيما يتعلق بالمهام المنوطة بها وذلك بسبب قدوم عناصر فاغنر”.
الجدير بالذكر أن مجموعة مرتزقة “فاغنر” المفضلة لدى السلطات العسكرية التي تدير شؤون مالي، قد ساعدت الحكومة والجيش في مواجهة الجماعات الجهادية
الوضع السياسي
وقال أوسو إنه في ضوء النزاعات والصراعات في أفريقيا متقلبة والتي من الصعب التنبؤ بها، فإنه يصعب على قوات حفظ السلام الأممية المضي قدما في مهامها في ظل هذه الأوضاع المضطربة. وأضاف “يبدو الأمر في الغالب كما لو أن هذه القوات لا تبذل قصارى جهدها. ومع ذلك، فإن الأمر يتعلق بقيود التفويض الذي حصلت عليه وليس بمدى فعالية القوات أو المهام المنوطة بها”.
ويشير ساني إلى أن الاضطرابات السياسية تزيد من تعقيد عمل بعثات الأمم المتحدة، مستبعدا إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في العديد من البلدان الأفريقية. ويقول إن “أحد الأسباب وراء ذلك هو حالة عدم الاستقرار السياسي. لن تنجح قوات حفظ السلام إلا في حالة وجود التزام سياسي قوي. وفي ظل غياب ذلك، فإن الأمر سوف يزداد صعوبة”.
قوات حفظ السلام ضرورية
ورغم كل هذه المعطيات، تظل بعثات حفظ السلام الأممية ضرورية في البلدان الأفريقية، بحسب مراقبين. إذ يحذر فيدل أماكي أوسو، المحلل في منظمة “اتحاد أبحاث الصراعات في أفريقيا” من المضي قدما في تكرار خطوة مالي في طرد قوات حفظ السلام الأممية، قائلا: “سيؤدي ذلك إلى نتائج عكسية. إذ في حالة مالي ومنطقة الساحل مازلنا نجد زيادة في موجات الإرهاب، حيث أن المنتسبين إلى داعش ما زالوا في حالة تحرك ويتمتعون بجرأة كبيرة ويستولون على مناطق كل يوم وكل أسبوع”.
ورغم تعرض بعثات الأمم المتحدة لضغوط حملات تشكيك في أهميتها، إلا أن محمد عمارة، الأكاديمي في جامعة العلوم الإنسانية والاجتماعية في باماكو، عاصمة مالي، يرى أن دور قوات حفظ السلام الأممية مازال حاسما.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أعرب عمارة عن بالغ قلقه إزاء فشل بعثات حفظ السلام الأممية وخروجها، مضيفا أن ذلك سيتسبب في خلق مشاكل كبيرة للبلدان التي كانت تتواجد فيها هذه البعثات. وقال “من المهم التأكيد على أن بعثة مينوسما تعمل كحاجز بين السلطات المالية وباقي الإقليم. وفي حالة خروج مينوسما، فسيكون من الضروري استبدال كافة النقاط الأمنية التي تتمركز فيها قوات حفظ السلام الأممية”.
قوات حفظ السلام عجزت عن كسب ثقة الأفارقة
ويعتقد مراقبون أن قوات حفظ السلام الأممية عجزت عن كسب ثقة البلدان التي تتمركز بها، ملقين باللوم على بعثات حفظ السلام خاصة بعد أن جرى اتهام بعضها بالاستغلال والانتهاكات الجنسية. إذ شهد الشهر المنصرم إصدار الأمم المتحدة قرارا بإعادة وحدة مؤلفة من 60 عسكريا تنزانيا “بعد ادعاءات خطيرة موجهة ضد أفراد من قوة حفظة السلام بارتكاب أعمال استغلال وانتهاكات جنسية”، وفقا لبيان أممي.
وقال الخبير الأفريقي ساني إنه في حال عدم التحقيق في مزاعم هذه الانتهاكات وإنزال العقوبة بالجناة بشكل سريع، فإن ذلك يُعقد عمل قوات حفظ السلام الأممية، مضيفا أن ذلك “يساهم في تفاقم حالة عدم الثقة في عمل بعثات حفظ السلام، فعلى سبيل المثال اُثيرت مزاعم استغلال من قبل قوات حفظ السلام في إقليم دارفور، وهو ما ألقى بظلاله على سمعة بعثة حفظ السلام”. وأشار إلى أن انعدام الثقة يمثل “مشكلة، فيما يشعر البعض أن بعثات حفظ السلام ليست سوى حيلة من القوى الغربية لإعادة تأكيد سلطتها وسيطرتها على البلدان التي تعمل فيها قوات السلام الأممية”.
الإصلاحات اللازمة
ويدعو أوسو إلى إجراء إصلاحات في عمليات بعثات الأمم المتحدة إذا أرادت النجاح في السنوات المقبلة في أفريقيا، مضيفا أن “أحد الأسباب وراء فشلها يتمثل في غياب الاستقرار السياسي”. ويشدد على أن مهام حفظ السلام لن تنجح “إلا في حالة وجود التزام سياسي قوي. وفي غياب ذلك، فإن المهمة ستكون صعبة للغاية”.
وكانت الأمم المتحدة قد أكدت في منتصف العام الجاري على أنه لا يزال عدد كبير من قوات حفظ السلام الأممية “تؤدي مهامها في إنقاذ الأرواح وتعزيز الأمن في أطر نزيهة وتمارس مهام حماية المدنيين وتعزيز جهود إحلال سلام دائم في ظروف صعبة وخطيرة”.
ويتفق مع هذا الرأي سانى، قائلا “لا يمكن إنكار حقيقة أن أفريقيا لا تستطيع أن تحقق الأمن والاستقرار بمفردها، حيث إننا لم نصل بعد إلى مرحلة الاعتماد على الذات. لذا أعتقد أنه يجب أن تقدم الأمم المتحدة على إعادة هيكلة عملها (في إطار قوات حفظ السلام)”.
ويرى الخبير في الأمن الأفريقي أوسو أنه في حال عدم إصلاح عمل بعثات حفظ السلام، فإنها “سوف تحقق القليل”. ويقول “ربما يجب إعادة تحديد مهام بعثات الأمم المتحدة بما يسمح بتوسيع تفويضها”.
أعده للعربية: محمد فرحان