اتفقت دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي على تشديد إجراءات اللجوء بشكل كبير في إطار إصلاح رئيسي لنظام اللجوء الأوروبي. وبشق الأنفس توصلت الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي إلى حل وسط يتضمن العديد من الإضافات وتشديد القواعد الحالية بهدف الحد من الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي.
وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية، مارغاريتيس شيناس، عبر موقع “إكس”: “لقد كان الطريق طويلا للوصول إلى هنا. لكننا قطعناه. أوروبا أخيرا تفي باتفاق الهجرة”، واصفا الاتفاق بأنه “اختراق”. وخضع إصلاح سياسة الهجرة لعمل مكثف منذ عام 2015، عندما وصلت أعداد قياسية من المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي. وأعربت منظمات إغاثة واليسار السياسي في أوروبا عن مخاوف بشأن تدهور حقوق الإنسان، في حين أيدت بقوة الدول ذات الحكومات اليمينية، مثل المجر، تشديد القواعد القائمة.
وينص الإصلاح، من بين أمور أخرى، على القيام بإجراءات اللجوء مباشرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وفشلت ألمانيا في مطلبها بإعفاء الأسر التي لديها أطفال لأسباب إنسانية.
وأعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين عن ارتياحها إزاء الاتفاق: “هذا يعني أن الأوروبيين هم الذين يقررون من يأتي إلى الاتحاد الأوروبي ومن يمكنه البقاء، وليس مهربي البشر. وبهذه الطريقة نحمي أولئك المحتاجين”. وتحدثت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا عن “أهم اتفاق” للهيئة التشريعية بشأن قضية تهم المواطنين.
ويُبقي الإصلاح الجديد على القاعدة المعمول بها حاليا ومفادها أن أول بلد يدخله طالب اللجوء في الاتحاد الأوروبي هو الذي يتولّى متابعة ملفّه، مع بعض التعديلات. لكن، بغية مساعدة البلدان المتوسطية التي تصل إليها أعداد كبيرة من المهاجرين، يُعتمد نظام تضامني إلزامي في حال اشتدّت الضغوط عليها. وينبغي للدول الأعضاء الأخرى تقديم العون، إما من خلال تولّي طلبات اللجوء (نقل أصحاب الطلبات إلى أراضيها) أو من خلال تقديم دعم مالي أو مادي.
وينصّ الإصلاح أيضا على “فرز” المهاجرين عند وصولهم وعلى مسار معجّل لهؤلاء الذين هم من حيث المبدأ أقل أهلا للحصول على حقّ اللجوء بغية إعادتهم في أسرع وقت إلى بلد المنشأ أو إلى بلد العبور. وسوف تطبّق هذه المعادلة على الوافدين من بلدان لا تتخطّى نسبة منح حقّ اللجوء لمواطنيها 20 بالمئة في الاتحاد الأوروبي. غير أن هذا “الفرز بحسب الجنسية” هو “مخالف لاتفاقية جنيف التي تنصّ على النظر في كلّ حالة على حدة”، بحسب ما أكّد النائب الأوروبي من حزب الخضر داميان كاريم الذي توقّع أن يفضي الميثاق إلى “منازعات بالمئات”.
وشدّد المجلس (المؤلّف من الدول الأعضاء) على أن يطال هذا التدبير أيضا عائلات مع أطفال دون الثانية عشرة، ما قد يقتضي وضع هؤلاء في مراكز احتجاز بالقرب من الحدود أو المطارات. ويطالب البرلمان الأوروبي بـ “ضمانات متينة جدّا لتلك العائلات، مشترطا إقامة مراكز استقبال مناسبة”.
وينصّ الميثاق أيضا أنه في حالة الأزمات والقوة القاهرة، (عند حدوث تدفّق كثيف للمهاجرين إلى دولة في الاتحاد)، على مبدأ التضامن الإلزامي بين الدول الأعضاء واعتماد نظام استثنائي أقلّ حماية لطالبي اللجوء من الإجراءات الاعتيادية، مع تمديد محتمل لفترة الاستبقاء عند الحدود الخارجية للتكتّل الأوروبي. وحينها ستتم إعادة تنظيم توزيع الأشخاص الذين يطلبون الحماية بين الدول الأعضاء الـ 27 في التكتل بموجب مجموعة جديدة من القواعد يطلق عليها اسم آلية التضامن. وإذا كانت دولة ما لا ترغب في استقبال اللاجئين، فإنها ستكون مطالبة بتقديم الدعم بشكل مختلف، على سبيل المثال من خلال التعويضات المالية.
انتقادات للإجراءات الجديدة
وكانت الإجراءات الحدودية المخطط لها، والتي تهدف إلى منع المهاجرين الذين لديهم فرصة ضئيلة للقبول من مواصلة رحلتهم إلى الاتحاد الأوروبي، مثيرة للجدل بشكل خاص في ألمانيا. وتعرضت قيادة حزب الخضر لانتقادات واسعة النطاق من القاعدة الشعبية بسبب موافقتها على ميثاق اللجوء. وأعربت عن أملها في أن يقوم البرلمان الأوروبي بإجراء تحسينات، لكنه لم يتمكن من التغلب على الدول الأعضاء بشأن النقاط الرئيسية.
ودافعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (حزب الخضر) عن اتفاق الاتحاد الأوروبي ووصفته بأنه “ضروري بشكل عاجل وطال انتظاره”. لكن الحقيقة هي أنها تسوية. واعترفت قائلة: “نحن كألمانيا لم نتمكن من فرض إعفاء الأطفال والأسر من الإجراءات الحدودية”.
وتحدث عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر، راسموس أندرسن، عن “اتفاق صعب” ومشاعر مختلطة داخل حزبه. وأوضح أنه “من المشكوك فيه ما إذا كان الاتفاق الحالي قادرا على خلق الإنسانية والنظام في سياسة الهجرة”.
وحذرت منظمات حقوق الإنسان من “ظروف أشبه بالسجن” للمهاجرين في المخيمات على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وبعد الاتفاق، سيكون من الممكن ترحيل طالبي اللجوء مباشرة من هناك، بما في ذلك إلى ما يسمى بالدول الثالثة الآمنة. فقد عقدت دول مثل إيطاليا اتفاقات تشمل تونس وألبانيا. كما أن الاتفاق البريطاني مع رواندا يولد اهتماماً كبيراً في الاتحاد الأوروبي. وفي ألمانيا، يدعو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بشكل خاص إلى مثل هذا الاتفاق.
ووصف رئيس وزعيم حزب الشعب الأوروبي، مانفريد فيبر، اتفاق الاتحاد الأوروبي بأنه “علامة فارقة” في استعادة السيطرة على الحدود. لكن الانتقادات الحادة جاءت من المعسكر اليساري. وتحدثت عضو البرلمان الأوروبي كورنيليا إرنست (حزب اليسار) عن “خنوع تاريخي للشعبويين اليمينيين في أوروبا”.
ويعد الاتفاق “أكبر تشديد لقانون اللجوء والهجرة الأوروبي منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي”. كما اعترفت رئيسة البرلمان ميتسولا بأن الحزمة “ليست مثالية”. ولكنها تظهر قدرة الاتحاد الأوروبي على التحرك.
وكان الوقت ينفد للتوصل إلى اتفاق، حيث من المقرر أن يدخل اتفاق اللجوء حيز التنفيذ قبل الانتخابات الأوروبية في بداية يونيو/حزيران. وتأمل الأحزاب المعتدلة أن تتمكن من تقليص شعبية اليمينيين الشعبويين. ويتوقع منظمو استطلاعات الرأي تحولا نحو اليمين في الانتخابات.
ولا يزال يتعين إقرار الاتفاق من قبل الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعتبر عادة إجراء شكليا.
ف.ي/ح.ز (د ب ا، ا ف ب)