سيتعين على الناس في ألمانيا التأقلم مع المزيد من مشاهد عسكرة الحياة اليومية خلال العام المقبل، وفق خبراء الأمن. وستلقي ملفات مثل الحرب والدفاع بظلالها على المزيد من القرارات السياسية في البلاد. والسبب هو أن خطر الهجوم الروسي على أراضي حلف شمال الأطلسي أصبح أكثر واقعية منذ بدأ الغزو الروسي الكبير لأوكرانيا قبل عامين.
يبدأ الأمر ببناء الطرق، وهو من بين مشاهد العسكرة، كما يقول الخبير في الشؤون السياسية، كريستيان مولينغ، في مقابلة مع المانيا اليوم: “ربما يتعين علينا تجديد الطرق، وعلينا تجديد الجسور”. وذلك لأنه لم يتم تصميم العديد من الطرق والجسور في ألمانيا من أجل تحمل عبء الدبابات والمعدات العسكرية الأخرى. ويرأس كريستيان مولينغ، مركز الأمن والدفاع التابع للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية (DGAP). وقد أثار الجدل مؤخراً بتحليل مفاده أن حلف شمال الأطلسي، في أسوأ السيناريوهات، سوف يكون أمامه خمس سنوات لإعادة تسليحه وإلا فإن ردع روسيا من خلال التفوق العسكري لن يكون ممكنا.
تحوّل تاريخي بسبب الحرب الروسية
تشهد ألمانيا في الوقت الحالي تحولا تاريخياً سريعاً. فعلى مدار ثلاثة عقود من الزمن، منذ سقوط “الستار الحديدي”، كان الألمان على ثقة من أن نهاية الحرب الباردة من شأنها أن تستبعد أيضا خطر نشوب حرب ساخنة، مثل الهجوم الروسي على أوكرانيا. ولكن ذلك انتهى الآن. وهذا يعني أن النقاشات السياسية التي لم تكن موجودة منذ نهاية الحرب الباردة، عادت إلى الحياة اليومية للألمان.
ويوضح مولينغ قائلاً: “يتعلق الدفاع بشكل عام بتعزيز البنية التحتية المدنية والمجتمع حتى يتمكنوا من الصمود في حالة الحرب”. وهذا من شأنه أن يجعل التخطيط لإنشاء جسر طريق جديد في إحدى البلديات ذا أهمية عسكرية. أي أن هذا الجسر يمكن أن يلعب دوراً استراتيجياً في حالة الدفاع. لكن مولينغ يرى في ذلك أيضاً “فرصة”. فمن أجل استعادة القدرة الدفاعية للبلاد، يجب على ألمانيا“تعليق بعض اللوائح المتعلقة بالاجراءات والموافقات لفترة معينة من الوقت وذلك من خلال استثمارات أكثر مقابل لوائح أقل”.
الألمان في مواجهة أوقات عصيبة؟
يواجه الناس في ألمانيا صعوبة في التعامل مع الواقع الجديد. لقد مر الآن ما يقرب من عامين منذ أن أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس “نقطة تحول” في البرلمان الألماني “بوندستاغ” بخطاب تاريخي في نهاية فبراير/ شباط 2022: بهذه الكلمة، أراد شولتس أن يوضح أن قضايا الجيش الألماني والقدرات الدفاعية عادت إلى موقع الأولويات كما كانت قبل سقوط جدار برلين.
ويقول غالبية خبراء الأمن والدفاع الألمان، بالإضافة إلى مولينغ، إن أوكرانيا تدافع عن حرية أوروبا بأكملها، والأكثر من ذلك إذا خسرت أوكرانيا أمام روسيا، فسوف يستمر الرئيس الروسي في شن الحرب ومهاجمة الناتو في نهاية المطاف.
ولكن في استطلاع للرأي عن القطاع الذي ينبغي على ألمانيا تقليل الانفاق عليه، أشار 54 في المائة ممن شملهم الاستطلاع الذي أجرته مؤخرا شبكة المحطات التلفزيونية والإذاعية (ARD) الألمانية إلى مساعدات أوكرانيا. ولكن في استطلاع آخر أجراه القناة الألمانية الثانية (ZDF) قال 70 في المائة إنه يجب الاستمرار في تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمزيد من المعدات العسكرية.
ألمانيا بحاجة للتسلح أيضاًً!
هذا التناقض بين الناس يلمسه كريستيان مولينغ في السياسة الألمانية، وفي مقابلة مع المانيا اليوم أوضح الخبير في الشؤون السياسية: “الكثير من الناس، بما في ذلك في ألمانيا، لم يفهموا أن التسلح لا يحدث بمجرد الضغط على زر ومن ثم تسقط الدبابات من الخلف في اليوم التالي”. وتابع الخبير: “يستغرق بناء مثل هذه القدرات الإنتاجية العسكرية وقتاً طويلاً للغاية. وهو ما يمكن أن تلام عليه الحكومة، ولكن أيضاً جميع الحكومات في أوروبا، وهو أنهم لم يدركوا بعد علامات التحول والبدء في إنتاج المزيد بشكل ملحوظ”. ويتابع مولينغ. ولكن “ليس لأن أوكرانيا تحتاج إليها، بل لأننا نحتاج إليها أيضا”.
هذا وينشر معهد الاقتصاد العالمي (IFW) في جامعة كيل بشكل مستمر نظرة عامة حول المساعدات العسكريةوالمالية الدولية المقدمة لأوكرانيا. وقد قام المعهد مؤخراً بتحديث هذا التقرير والنتيجة: تعد ألمانيا الآن ثاني أهم مورد للأسلحة إلى أوكرانيا بعد الولايات المتحدة الأمريكية. لكن إنتاج الأسلحة الألمانية لم يزد بشكل كبير بعد، كما ينتقد كريستيان مولينغ،: “نحن حالياً نقوم فقط بسد الثغرات، ولم نبدأ في بناء قدرات إنتاجية جديدة من شأنها تمكيننا من أن نكون جاهزين في الوقت المحدد”.
أعدته للعربية: إيمان ملوك