طوال حياتنا، تحدث تغييرات في الحمض النووي الخاص بكل منا تسمى الطفرات الجينية. يحدث ذلك تقريباً في كل خلية سليمة في جسم الإنسان، وهي طفرات يُعتقد منذ فترة طويلة أنها سبب مهم لشيخوخة أجسامنا.
لكن من غير المعروف ما إذا كان بعض الأشخاص يراكمون الطفرات بمعدل أسرع أو أبطأ مع تقدم العمر، وما إذا كانت هذه الاختلافات قد تُنبئ بالمدة التي نعيشها ومدى خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالشيخوخة مثل السرطان.
البعض يبدو أصغر سناً!
ولمعرفة لماذا يتقدم الناس في العمر بشكل مختلف بدأ علماء من جامعة كيس ويسترن ريزيرف وجامعة جونز هوبكنز ومستشفيات جامعة كليفلاند الطبية ومركز كليفلاند الطبي وكلية غروسمان للطب بجامعة نيويورك ومستشفى جامعة نيويورك لانغون في دراسة هذه التغيرات والطفرات الجينية التي تحدث في الخلايا البشرية ومحاولة الإجابة عن السؤال الأهم: لماذا وكيف يشيخ البشر؟.
وفي الوقت الذي يبدو فيه أن بعض الأشخاص الذين يبلغون من العمر 80 عاماً فعلياً، قد يكون مظهرهم يشير إلى أنه في الستينات من عمرهم، بينما يبدو أن بعض الأشخاص الذين يبلغون من العمر 60 عاماً أقرب إلى 80 عاماً.
يقول جيريمي والستون أستاذ طب الشيخوخة وعلم الشيخوخة في كلية جونز هوبكنز للطب: “إذا أخذت غرفة مليئة بالأشخاص الذين يبلغون من العمر 80 عاما ، فإن 15٪ منهم ضعفاء، وستون في المئة لديهم بعض المشاكل الصحية، أما الباقون فهم أقوياء ونشطون”، بحسب ما نشر موقع “ذا هب”، التابع لجامعة جونز هوبكنز الأمريكية.
ويقول بيتر ابادير أستاذ طب الشيخوخة المشارك بجامعة جونز هوبكنز: “في السنوات القليلة الماضية، شهدنا عددًا متزايدًا من كبار السن الذين يعيشون في الثمانينات والتسعينات من عمرهم. ينصب تركيزنا على إضافة الجودة إلى تلك السنوات، وزيادة قدرتهم على الاستقلال بحياتهم. وهنا يأتي دور التقنيات والمؤشرات الحيوية الجديدة”.
تقنيات حديثة
سيستفيد العلماء من تقنيات تسلسل الحمض النووي (دي.ان.إيه.DNA) الجديدة لدراسة طبيعة التغيرات الخلوية لدى عدد كبير من الأشخاص لفهم كيف يمكن أن ترتبط الطفرات التي تصاحبنا طوال العمر بخطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالشيخوخة مثل السرطان.
وبشكل أولي، وجد العلماء أن الأشخاص الذين لديهم القليل من الروابط الاجتماعية لديهم مستويات أعلى من بروتين إنترلوكين 6 وبروتين سي التفاعلي، وهي مؤشرات حيوية مرتبطة بعواقب سلبية طويلة المدى على الأشخاص مع تقدمهم في السن، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية وتراجع المعرفة الإدراكية، وأن تفكك العلاقات الاجتماعية له أثر سلبي للغاية في هذا الإطار.
وقال الدكتور جوناثان شواغ العالم المتخصص في أورام المسالك البولية بمركز كليفلاند الطبي: “ستساعدنا دراستنا على فهم الشيخوخة وإمكانية التنبؤ بالأمراض المرتبطة بها”، وأضاف أن “هذا الأمر يمكنه أن يسمح لنا بمحاولة منع أو التقليل من سرعة تطور الأمراض المرتبطة بالشيخوخة في وقت أقرب من خلال التدخلات السريرية”، بحسب ما نشر موقع “ساي تك دايلي”.
دراسة التغيرات في الكروموسومات
ومن ضمن الفريق البحثي، الدكتورة راسيكا ماتياس الأستاذة في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز وكلية بلومبرغ للصحة العامة والتي تستخدم بيانات من تسلسل الجينوم البشري الكامل لتحليل العوامل التي تفسر سبب اختلاف العمر البيولوجي للشخص عن عمره الزمني.
ويقوم عمل ماتياس على البحث في مقاييس العمر البيولوجي ، مثل قطع وتقصير أجزاء من الكروموسومات والتغيرات الحادثة في شكلها وتركيبها ووسائل حماية الحمض النووي من التدهور. وتقول ماتياس إن التقدم في العمر لا يتعلق فقط بوظيفة أساسية للجينات خلقت مع البشر، وإنما يدخل في الأمر أيضاً البيئة المحيطة بالإنسان.
ويشير العلماء إلى أنه لا يزال هناك الكثير من الأمور المجهولة بشأن كيفية تأثير طفرات الحمض النووي على العملية الأساسية للشيخوخة، لأنه في الآونة الأخيرة فقط أصبحت التقنيات متاحة للكشف عن هذه التغييرات في الحمض النووي البشري، كما أن دراسة الطفرات المرتبطة بالشيخوخة على نطاق واسع ستكشف كيف يتغير الجينوم البشري ديناميكيا طوال حياتنا.
ويقول العلماء إنه في يوم من الأيام قد يكون من الممكن جمع ما يكفي من المعلومات الجينية والاجتماعية والبيئية عن الأفراد للتنبؤ بمساراتهم خلال السنوات المتبقية لهم: هل سيركبون الدراجات ويترشحون للرئاسة في سن 80 على سبيل المثال، وكيف سيتعاملون مع التدهور البدني والمعرفي .
ويأمل الباحثون في نهاية المطاف، أن يكون لديهم القدرة على تحديد “درجة” منتصف العمر للمرضى، وتقييم مدى تقدمهم في السن وما يمكنهم فعله لإطالة أمد احتفاظهم بصحة معقولة.
ع.ح/ ع.ج.م